Saturday, March 2, 2013

العنصريه



كقاهري عتيد لم تكن لي تجربة شخصية مع مفهوم العنصرية ، فقط ما سمعناه في نشرات الأخبار عن نظام التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا ، وما يعانيه المهاجرين في أوروبا علي أيدي الجماعات اليمينية المتطرفة

ومعني هذا أن العنصرية بالنسبة لي كانت سلوك شائن يقوم به البيض ضد غيرهم من الملونين والسود بسبب لون البشرة ، وهي بهذا تختلف عن القومية التي تعتمد علي الانتماء و العرقية .
لكن عندما جئت إلي هذه الديار فوجئت بمعني جديد للعنصرية لم أدري عنه شيئاً  ، فكما يكون البيض عنصريين ضد غيرهم ، من الممكن أن يكون السود أيضا عنصريين ضد غيرهم
كان هذا غير مفهوم لدي ، فالبيض كانوا أو لا يزال بعضهم عنصريون بسبب إحساسهم بالتفوق ، فكيف يكون السود عنصريون ؟

هذا سؤال يحتاج لدراسات مطولة لشرحه وتحقيق إجابته الشافية ، لكن تجاربي اليومية كشفت لي عن أبعاد متعددة لها ، الأول تاريخي يعود إلي مرحلة الاستعمار الذي سام أهل البلاد سوء العذاب لعقود ، واغتصب خيرات بلادهم ولم يتركها إلا خراباً بل وربطها به حتي بعد الاستقلال ، لتصبح تحت التبعية والوصاية ، وهو ما أورث هولاء السكان كراهية شديدة لكل ما يمثل الاستعمار ، وعلي رأسه اللون ، أي لون يخالف البشرة الداكنة لأهل البلاد  ، تبسيط مخل لكنه ملائم لأصحاب العقول البسيطة ، او ما يسمي في علم السياسة بالغوغاء او الديماجوجية الحاشدة ، تماما كما فعلها العبقري جورج أورويل في رواية مزرعة الحيوان عندما صاغت الخنازير المفكرة شعاراً بسيطاً حتي تحفظه الخراف التي تمثل الشعب " الخير في الاقدام الاربعة والسوء في القدمين " ! أي كل من يمشي علي قدمين هو عدو ، وكل من يمشي علي أربعة صديق . وبالقياس يصبح كل زنجي صديق ، وما غيره عدو .
ومن الملاحظات الأولية كانت طريقة المصافحة لدي عدد كبير من المحليين ، فحينما تمد يدك ، من الممكن أن يكتفي بأن يمسك يديه ويهزهما كانه يصافحك ، او يشير كالصينيين ، والأغرب حينما يمد يمناه فيما تمسك يسراه بمرفقه الايمن ، وحينما سالت عن سبب هذا عرفت ان الاحتلال اجبرهم علي ذلك حتي يري اليدين بحيث لا يصافح بيد ويخفي سلاح في اليد الأخري
ومن افعال الاستعمار انه منع علي أي من السكان ان يتجول في الطرقات بعد حلول الظلام بدعوي ان الجنود لن يروهم في الظلام لبشرتهم الداكنه ، واعطي الحق للجنود في قتل أي من يخالف هذا باعتباره يخطط لقتل جنود الاحتلال .

No comments:

Post a Comment