كقاهري حتي النخاع ،
اعتدت ان ابدا حواري مع أي شخص بالسؤال التقليدي " كيف الحال ؟ " ، ،
وفي مدينتي السعيدة يكون الجواب " الحمد لله" ، ومن ثم يستطرد من يرد
قائلاً : كله تمام ، زي الفل ، مفيش احسن من كده ، ... ، وحتي عندما لا يكون
الأحوال جيدة ، يكون الرد الحمد لله علي كل حال ، او الحمد لله الذي لا يحمد علي
مكروه سواه ، ومن غير المعتاد أ، يحكي شخص لشخص أخر عن مشاكله ان لم تكن العلاقة
بينهما وطيدة لدرجة كافية ، فلا أتصور مثلاً أن أذهب لمطعمي المفضل واحيي النادل واسأله
عن أحواله فيخبرني عن خلافاته مع صاحب المطعم !!
وكقاهري ساذج خلت أن
هذا هو الوضع الطبيعي ، لكن عندما جئت إلي هذه الديار وجدت أن هناك جانب أخر
للعملة : فمن أكثر الأماكن التي اعتدتها في أوائل أيامي كان المصرف ، والموظفة
الخاصة بخزانة العملاء المهمين، ففي ثاني مره ذهبت لسحب بعض النقود وغلب علي الطبع
القاهري فقلت " كيف الحال ؟ " فاذا بها تقول ليس جيداً لدي صداع !
وحينما سئلت حارس البناية أجابني " سئ ... ليس معي
مال "
وحينما سألت السباك أجاب " ادينا عايشين ! "
أثار هذ استغرابي الشديد ، فعلاقتي بهولاء سطحية ، وكان
من المفترض ان يردوا بكلمة " بخير " وكفي ، فلماذا حدث هذا ؟
لم ينمحي هذا الأمر
من ذهني ، بل ظلت خبراته تتراكم ، فهذا دبلوماسي بوزارة الخارجية يرد باجابة
السباك ، وهذه مديرة شركة سياحة تجيب نفس اجابة حارس البناية !
وعندما زاد بي
التعجب ، بدأت اسئل واعرف تبريرات ، سألت سكرتيرة السفير وهي من قبائل البامليكي
الوثنية المعروفة بالغني الشديد ، فاجابت بان غالبية الناس تعاني من نقص الأموال ،
وان الفقر هو هاجسهم الاساسي ، والحصول علي المال هو هدفهم من الحياة ، ويتساوي في
هذا الحارس والسباك والمصرفي والدبلوماسي .
وعندما سألت إمام
المسجد الكاميروني أجاب بأن غير المسلمين في غالبيتهم لا دينيين وان أعلن بعضهم
انتمائه للمسيحية ، فهم وثنيون أو يعبدون أرواح الأجداد ، ومن ثم ففكرة اليوم
الآخر والحساب والجزاء هي المسيطرة عليهم ، فبالتالي أصبحت الدنيا هي همهم ومبلغ
علمهم ، ولذا الصراع من أجل الحياة
اليومية أصبح هو محور حياتهم ، فأي ابتلاء أو مصيبة تجعل الحياة لا تطاق ، وتجعل
رداً مثل " بخير " غير ممكن أو بعيد عن نطاق التفكير ، أما جملة "
الحمد لله " فلا تعرف لها سمياً لدي غير المسلمين ، فالحمد لله الذي اصطفانا
وهدانا وجعلنا مسلمين .
No comments:
Post a Comment