Saturday, March 2, 2013

فيراري...بورش...هامر

انضم جار جديد إلي القاطنين في المبني السكني الذي أعيش فيه في بلدي الثاني ...
 لا جديد في هذا ... 
أمر طبيعي للغاية...
أمر طبيعي أيضا أن يكون لدي الجار الجديد سيارة يتركها في مكان الانتظار الخاص بشقته والذي يحمل رقمه ككل السكان
لكن الأمور غير الطبيعية بدأت عندما قابلت سيارة الجار الجديد
كانت سيارتي السوداء من طراز ياباني منتشر في هذا البلاد
سيارتي السوداء الرقيقة

 تتواري خجلاً عندما رأت السيارة الجديدة ا

التي احتلت مكان الانتظار الملاصق لها ...

كانت " فيراري " حمراء من انتاج عام 2006 !!!
كأنك أتيت بملكة جمال مسطرد عام 1980 مثلاً – علي رأي بلال فضل – ووضعتها إلي جوار ملكة جمال العالم الحالية.
طبعا لا يمكن أن أقول إلا " بسم الله ما شاء الله ... لا قوة الا بالله " " ربنا يزيدك من نعيمه يا جاري"
تجاهلت الموقف وصممت علي أن أجعل سيارتي لا تصاب بالاحباط بسبب هذا الموقف ، مع تأكيدي لها بأنها ستبقي في نظري دوما أفضل سيارة في العالم.
لكن الجار الجديد لم يسكت ... فبعد أسبوعين علي الأكثر كنت عائداً من عملي وبعد أن ترجلت من سيارتي وتوجهت نحو درجات السلم وجدت سيارة سوداء من طراز بورش – انتاج 2006 – تمرق إلي جواري وتستقر في مكان انتظار أخر ، ألقيت نظرة سريعة علي السيارة لأجد جاري العزيز يهبط منها بسلاسة .
تظاهرت بأني لم أره وواصلت طريقي نحو السلم ولكنه نادي علي...!!!
كنت قد تعرفت إليه مصادفة صباح أحد الأيام عندما قدمه لي مالك المبني باعتباره جار جديد فحييته بكلمات قليلة ولم أطل الوقوف
في هذه المره كأن حريصاً علي التحدث إلي ...قال أنه يرغب في تبادل موقع الانتظار معي حتي يستطيع أن يضع سيارتيه متجاورتين !!!
وحتي لا أطيل الحديث وافقته علي الفور متمنياً أن يكون في هذا خير لي ولسيارتي وله.
لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه...
مرت أسابيع قليلة اختفي فيها الجار واختفت البورش السوداء وظلت الفيراري الحمراء قابعة في مكانها ، وفجأة عدت مساء يوم لأجد أن مدخل المبني السكني المؤدي إلي موقع الانتظار مسدود...
كانت هناك سيارة من طراز " هامر" تحتل المدخل...!!!
ونتيجة لتأثير أخبار الجزيرة والعربية وما شابههما توقعت أن كتيبة من مشاة البحرية الأمريكيين تقوم بتمشيط المبني حالياً وأنهم تركوا سيارتهم المصفحة السوداء في الأسفل.
لكن الحقيقة كانت أن جاري عاد من سفره مصطحباً معه أحدث ألعابه... سيارة هامر من انتاج 2007 هذه المرة ... تماماً كالتي تستخدمها القوات الأمريكية في العراق ، مصفحة ضد الألغام الأرضية ، تصل سرعتها القصوي رغم حجمها الضخم إلي 300 كيلو متر في الساعة ، وغير قابلة للانقلاب !!!
كانت هذه هي " الهامر" التي قصمت ظهري
البورش والفيراري من الممكن أن ابتلعهما مع قليل من المصاعب
لكن " هامر " ؟؟
لا أعرف من يملك واحدة منها سوي " عمرو دياب " كما ذكرت الصحف الصفراء
لكن ما حاجة الجار العزيز في مثل هذه البلاد إليها؟
لذا تحينت الفرصة حتي أساله ، ولعله كان ينتظر ...
حييته وسألته عن سبب اختفائه فقال انه يسافر كثيراً إلي الخارج ، كما يسافر كثيراً إلي المناطق الشمالية التي تبعد عن العاصمة بأكثر من ألف كيلو متر ويقضي هناك عطلات مع أهله... ولهذا ابتاع سيارة تناسب هذه الرحلات الشاقة ..." الهامر "
كدت أجيبه بأن سيارات الدفع الرباعي تستخدم عادة لهذا الغرض ويقل ثمنها بكثير جدا... جدا ، لكن سؤالاً ملحاً طرأ علي بالي ... ما هي تلك الوظيفة التي تجعلك تشتري فيراري...بورش...هامر ؟
علي من يعرف الاجابة الاتصال بي أو ترك الاجابة علي المدونة والجائزة ... توصيلة مجانية باحدي السيارات الثلاث

العنصريه



كقاهري عتيد لم تكن لي تجربة شخصية مع مفهوم العنصرية ، فقط ما سمعناه في نشرات الأخبار عن نظام التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا ، وما يعانيه المهاجرين في أوروبا علي أيدي الجماعات اليمينية المتطرفة

ومعني هذا أن العنصرية بالنسبة لي كانت سلوك شائن يقوم به البيض ضد غيرهم من الملونين والسود بسبب لون البشرة ، وهي بهذا تختلف عن القومية التي تعتمد علي الانتماء و العرقية .
لكن عندما جئت إلي هذه الديار فوجئت بمعني جديد للعنصرية لم أدري عنه شيئاً  ، فكما يكون البيض عنصريين ضد غيرهم ، من الممكن أن يكون السود أيضا عنصريين ضد غيرهم
كان هذا غير مفهوم لدي ، فالبيض كانوا أو لا يزال بعضهم عنصريون بسبب إحساسهم بالتفوق ، فكيف يكون السود عنصريون ؟

هذا سؤال يحتاج لدراسات مطولة لشرحه وتحقيق إجابته الشافية ، لكن تجاربي اليومية كشفت لي عن أبعاد متعددة لها ، الأول تاريخي يعود إلي مرحلة الاستعمار الذي سام أهل البلاد سوء العذاب لعقود ، واغتصب خيرات بلادهم ولم يتركها إلا خراباً بل وربطها به حتي بعد الاستقلال ، لتصبح تحت التبعية والوصاية ، وهو ما أورث هولاء السكان كراهية شديدة لكل ما يمثل الاستعمار ، وعلي رأسه اللون ، أي لون يخالف البشرة الداكنة لأهل البلاد  ، تبسيط مخل لكنه ملائم لأصحاب العقول البسيطة ، او ما يسمي في علم السياسة بالغوغاء او الديماجوجية الحاشدة ، تماما كما فعلها العبقري جورج أورويل في رواية مزرعة الحيوان عندما صاغت الخنازير المفكرة شعاراً بسيطاً حتي تحفظه الخراف التي تمثل الشعب " الخير في الاقدام الاربعة والسوء في القدمين " ! أي كل من يمشي علي قدمين هو عدو ، وكل من يمشي علي أربعة صديق . وبالقياس يصبح كل زنجي صديق ، وما غيره عدو .
ومن الملاحظات الأولية كانت طريقة المصافحة لدي عدد كبير من المحليين ، فحينما تمد يدك ، من الممكن أن يكتفي بأن يمسك يديه ويهزهما كانه يصافحك ، او يشير كالصينيين ، والأغرب حينما يمد يمناه فيما تمسك يسراه بمرفقه الايمن ، وحينما سالت عن سبب هذا عرفت ان الاحتلال اجبرهم علي ذلك حتي يري اليدين بحيث لا يصافح بيد ويخفي سلاح في اليد الأخري
ومن افعال الاستعمار انه منع علي أي من السكان ان يتجول في الطرقات بعد حلول الظلام بدعوي ان الجنود لن يروهم في الظلام لبشرتهم الداكنه ، واعطي الحق للجنود في قتل أي من يخالف هذا باعتباره يخطط لقتل جنود الاحتلال .

الحمد لله



كقاهري حتي النخاع ، اعتدت ان ابدا حواري مع أي شخص بالسؤال التقليدي " كيف الحال ؟ " ، ، وفي مدينتي السعيدة يكون الجواب " الحمد لله" ، ومن ثم يستطرد من يرد قائلاً : كله تمام ، زي الفل ، مفيش احسن من كده ، ... ، وحتي عندما لا يكون الأحوال جيدة ، يكون الرد الحمد لله علي كل حال ، او الحمد لله الذي لا يحمد علي مكروه سواه ، ومن غير المعتاد أ، يحكي شخص لشخص أخر عن مشاكله ان لم تكن العلاقة بينهما وطيدة لدرجة كافية ، فلا أتصور مثلاً أن أذهب لمطعمي المفضل واحيي النادل واسأله عن أحواله فيخبرني عن خلافاته مع صاحب المطعم !!

وكقاهري ساذج خلت أن هذا هو الوضع الطبيعي ، لكن عندما جئت إلي هذه الديار وجدت أن هناك جانب أخر للعملة : فمن أكثر الأماكن التي اعتدتها في أوائل أيامي كان المصرف ، والموظفة الخاصة بخزانة العملاء المهمين، ففي ثاني مره ذهبت لسحب بعض النقود وغلب علي الطبع القاهري فقلت " كيف الحال ؟ " فاذا بها تقول ليس جيداً لدي صداع !
وحينما سئلت حارس البناية أجابني " سئ ... ليس معي مال "
وحينما سألت السباك أجاب " ادينا عايشين ! "
أثار هذ استغرابي الشديد ، فعلاقتي بهولاء سطحية ، وكان من المفترض ان يردوا بكلمة " بخير " وكفي  ، فلماذا حدث هذا ؟
لم ينمحي هذا الأمر من ذهني ، بل ظلت خبراته تتراكم ، فهذا دبلوماسي بوزارة الخارجية يرد باجابة السباك ، وهذه مديرة شركة سياحة تجيب نفس اجابة حارس البناية !
وعندما زاد بي التعجب ، بدأت اسئل واعرف تبريرات ، سألت سكرتيرة السفير وهي من قبائل البامليكي الوثنية المعروفة بالغني الشديد ، فاجابت بان غالبية الناس تعاني من نقص الأموال ، وان الفقر هو هاجسهم الاساسي ، والحصول علي المال هو هدفهم من الحياة ، ويتساوي في هذا الحارس والسباك والمصرفي والدبلوماسي .
وعندما سألت إمام المسجد الكاميروني أجاب بأن غير المسلمين في غالبيتهم لا دينيين وان أعلن بعضهم انتمائه للمسيحية ، فهم وثنيون أو يعبدون أرواح الأجداد ، ومن ثم ففكرة اليوم الآخر والحساب والجزاء هي المسيطرة عليهم ، فبالتالي أصبحت الدنيا هي همهم ومبلغ علمهم  ، ولذا الصراع من أجل الحياة اليومية أصبح هو محور حياتهم ، فأي ابتلاء أو مصيبة تجعل الحياة لا تطاق ، وتجعل رداً مثل " بخير " غير ممكن أو بعيد عن نطاق التفكير ، أما جملة " الحمد لله " فلا تعرف لها سمياً لدي غير المسلمين ، فالحمد لله الذي اصطفانا وهدانا وجعلنا مسلمين .

المعلم



من المصطلحات الشائعة في الفرنسية الكاميرونية كلمة PATRON أي السيد حسبما يشير قاموس لاروس ( المورد الخاص بالفرنسية ) ، لكن التطبيق العملي عرفني بمعاني مختلفة للكلمة في الحياة اليومية .، فحينما كنت أبحث عن مسكن كانت الكلمة المفضلة لحراس العقارات : انتظر حتي أنادي الباترون ، وأكتشف لاحقاً أن هذا الباترون هو صاحب المنزل.

وحينما عثرت علي مسكن والتقيت بمالك العقار السيد كواتشو ، وعندما سألته عن عمله أجاب بأنه باترون !! وبدا لي أنه استاء من السؤال ، وحينما سألت أحد أصدقائي عن معني هذا أجاب بأنه يكفي أن يملك عقاراً مثل هذاً ويجلس علي مقعد وثير علي مدخله ويحيي السكان ، وهذه وظيفه مرموقة للغاية ، ، فظننت أن باترون تستخدم كالعبارة القاهرية العتيقة من ذوي الأملاك والتي انقرضت تماماً كمصطلح من أرباب المعاشات الذي أصبح من الرفاهيات فمن ينتهي عمله الحكومي لا بد أن يبحث عن عمل أخر لأن المعاش لا يكفي لشراء العيش ودفع فواتير المحمول .
في المنزل فوجئت بأن الخادم تستخدم نفس المصطلح لمخاطبتي علي الرغم من أ،ي لست من أصحاب الأملاك ، وليس لي أي ماضي إقطاعي ، ولم يحمل أي من أجدادي ألقاباً مهداه من أسرة محمد علي .
بعد ذلك ذهبت لنجار كي يصنع لي مائدة طعام ، وحينما بدأت في التفاوض حول الثمن مع البائع طلب مني أن انتظر حتى ينادي الباترون ، الذي هو صاحب ورشة النجارة ، فقلت هنا من الممكن أن يقصد أن الباترون من أصحاب المحلات ، أو ببساطة المعلم .
وزاد توجهي نحو الخيار الثاني " المعلم"  عندما وجدت الميكانيكي ينادي صاحب ورشة التصليح بالباترون ، والبائع في محل الدجاج ينادي صاحب المحل بالباترون أيضاً .
 لكن عندما ذهبت لمقابلة مديرة القطاع المالي بالتلفزيون الكاميروني – راجع فقرة التلفزيون لو كنت قرأتها أو انتظرها ان لم تكن قد مررت بها أو انس الأمر كلية لو لم تتذكر ان كنت قرأتها أم لا -  حيث فوجئت بها تخبرني بأن الباترون يرفض بيع المباريات قطاعي ويفضل بيعها جملة !! وحينما تساءلت عمن يكون الباترون قالت رئيس التلفزيون هو الباترون !!
وهنا قلت هل تكون تقصد أنه من أصحاب الأملاك ؟ لكن التلفزيون جهاز حكومي ، هل من أصحاب المحلات ؟ لكن التلفزيون ليس محلاً ولا يقدم فواتير وليس هناك كاشير قبل الخروج منه ، اذا بالتأكيد تقصد المعلم .
ولكن ظهر توجه جديد عندما تعاملت مع رجال الشرطة ، فقد وجدتهم يطلقون علي مأمور القسم باترون ، وعلي مدير شرطة الحدود باترون ، وعلي مدير المرور باترون ، وهكذا الخ الخ وصولاً إلي مدير الأمن العام ، وكقاهري أصيل وبدون تردد عرفت أن معني باترون في هذه الحالة هو الباشا !!
وبهذه المناسبة فإن حراس الأمن لدينا القادمين من وزارة الداخلية حيث يعملون كأمناء شرطة لا يزال من الصعب اقناعهم بعدم استخدام لفب معالي الباشا في مخاطبة السفير ، علي غرار أشرف عبد الباقي في فيلم الارهاب والكباب عندما كان يسمي ابن اللواء الذي يعمل معه " معالي الباشا الواد ابن سيادتك" .
وسواء كانت باترون تعني : السيد ، المعلم ، الباشا فإنها من أهم المصطلحات الذائعة الصيت والانتشار في اللغة اليومية في الكاميرون.
لكن من دواعي الزهو والتبجح بكوني من قاهرة المعز أني لم أجد الكثير من الألقاب المستخدمة في مصر ، فمثلاً رجال الشرطة من الدرجات الدنيا يكتفي العامة بمناداتهم بchief أو زعيم فليس هناك باش شاويش ولاحضرة الضابط النوباتشي ولا سعادة اللواء فالكل زعيم والسلام.
كما لم أجد باشمهندس ، ولا حتي باشكاتب ، مروراً بباش تمرجي
وليس هناك من ينادي سائق التاكسي ولا الميكانيكي ولا السمكري والسباك  بالباشمهندس
 بل علي لعكس يفضلون استخدام كلمة technician أي فني لوصف كافة هذه الأعمال .
وللدقة فإن هذه الملاحظة تقتصر علي اللغة الفرنسية ولا تتضمن اللهجات المحلية التي ربما أضيف فقرات خاصة بها لاحقاً .

عن الخرفان




كان أول لقاء لي وجهاً لوجه مع الخراف في الكاميرون قبل بضعة أيام من العيد الأضحى لعام 1424 ، وباعتباري قاهري قح هالني ما رأيت ، فعلي الرغم من تميز الخراف بقرون كبيرة ومجدولة تصلح لصناعة الخناجر ، الا أنها كانت عديمة الذنب الذي نسميه نحن " اللية " .. تصوروا خروف منزوع اللية ! قد يؤدي هذا لخروج فتوي بأنه لا يصح التضحية به ، لكن بالبحث والتنقيب اتضح ان كافة فصائل الخراف هنا عديمة اللية !

الملحوظة الثانية انها عديمة الفروة ! حيث يقوم مربو  الخراف بحلق الصوف تماما قبل عرضها للبيع لبيعه ، ومن ثم تبدو الخراف كما لو كانت عارية ، أي تفقد وقار الخروف التقليدي في مصر .
وحسبما لاحظت فان الخراف تأتي من اقاليم الشمال حيث المراعي إلي المدن الكبري لبيعها قبل العيد باسبوع ، حيث يقوم بعض التجار باخذ الخراف من مربيها وعمل علامات عليها لتحديد صاحبها ومن ثم يحصلون علي نسبة من الثمن بعد خصم تكاليف النقل والاطعام ، ويحصل المربون علي الباقي.

وفي ياوندي يتحول الملعب الترابي الملاصق لحي بريكتيري المسلم إلي ساحة انتظار للخراف لحين بيعها ، وهنا تنشط عدد من الحرف الموسمية حيث يقوم الصغار بغسل الخروف مقابل 50 فرنك ، كما يقوم الاكبر سنا بربطه للمشتري ، ويقوم اخرون بنقله في سيارات صندوق ، ويبيع اخرون الحشائش  ، ويتواجد متحدثو اللهجات المحلية لتسهيل الترجمة بين الباعة والمشترون ، خاصة ان عدد من الباعة ياتون من تشاد ولا يتكلمون سوي الفرنسية والعربية وبالتالي يحتاجون للمساعدة .
ويستمر السوق حتي نهاية ايام التشريق التي يمكن الذبح فيها بعد العيد ، وبعدها يعود الباعة بما تبقي معهم علي أمل بتحقيق مكسب أكبر في العام القادم .