Saturday, March 2, 2013

عن الايجار والمستأجرين

عندما وصلت لمدينتي الجديدة كان هاجسي الأول هو سرعة العثور علي منزل والانتهاء من تأثيثه نظراً لأني لن أستطيع الاستقرار إلا في هذه الحالة، وحسب النصيحة التي تلقيتها من سابقي انه من الأفضل عدم تأجير منزل منفرد والاكتفاء بشقة ، لان المنزل المنفرد يحتاج لحراسة علي مدي 24 ساعة ، وهو تكاليف إضافية ، وتزيد خطورته عند ترك المنزل لفترة طويلة والسفر في إجازة مثلاً ، كذلك معظم المنازل المنفردة تحتاج لبستاني ، وهي تكلفة جديدة ، كما أنها بيئة مناسبة للناموس الناقل للأمراض وعلي رأسها الملاريا الذي يكثر حول الزراعات والخضرة عامة ، ومن ثم فمن الأفضل الحصول علي شقة .

بعد جولة لمدة أسبوع لم أتمكن من استيعاب الوضع ، فقد رأيت العديد من الشقق والمنازل بإيجارات تتراوح من 700 دولار وحتى ألفي دولار شهريا ، وبالمصري تكون من 4200 إلي 12 ألف جنيه شهريا ، وكلها غير مؤثثة !!!

بمثل هذا المبلغ أستطيع تأجير شقة مؤثثة في المهندسين أو علي النيل في الزمالك أو فيلا في المعادي ، ولماذا شقة أو فيلا : جناح في الهيلتون أو سميراميس
ونظراً لان هذا هو حال الدنيا ، وسرو أهل ياوندي استغرقت ثلاثة أسابيع أخري حتى انتقلت إلي منزلي الجديد ، لكن السؤال الرئيسي في رأسي هو كيف يحصل أهل البلاد علي منازل ، برواتبهم الضئيلة التي لا تتعدي 100 دولار شهرياً ؟

وكان الجواب العبقري تماما مثلما يحدث في قاهرة المعز !! الوضع بالنسبة لي فقط كأجنبي ودبلوماسي هو الذي يرفع من السعر ويحتم علي سكني الضاحية الوحيدة الصالحة لأمثالي – النكتة الشهيرة بين الدبلوماسيين أن يسأل وافد جديد زميله الأقدم أين تسكن ؟ لان الإجابة التأكيد في باستوس ، تماما كما يجيب دبلوماسي أجنبي في القاهرة بأنه يسكن في المعادي أو المهندسين أو الزمالك ( التعدد في وضعية القاهرة يعود للفارق في المساحة وعدد السكان : عدد سكان القاهرة يفوق إجمالي سكان الكاميرون بحوالي مليوني نسمة )

وكان جواب أخر لسؤالي جاء من جانب مبعوثي الأزهر الذين يرسلون للسفارة بصور من عقود الإيجار الخاصة بهم لاعتمادها وإرسالها لمصر حتى يتم صرف بدل السكن لهم ، حيث حصلت علي عدة عقود من كافة أنحاء الكاميرون كلها بمبلغ 120 ألف فرنك شهرياً !! حتى بدأت اقتنع أن هذه القيمة هي التسعيرة التي تفرضها وزارة التموين الكاميرونية ( ليس هناك وجود لوزارة التموين في أي دولة في العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية سوي مصر والتي تسمي حاليا بوزارة الطوابير والدندرمة ).

لكن سرعان ما اكتشفت سذاجتي المفرطة ، فهولاء المشايخ من أصحاب الفضيلة يرسلون لنا بعقود مزورة تحوي قيمة ايجارية مبالغ فيها ، ونظراً لجهلهم باللغة الفرنسية فهم يتوارثون عقداً يقومون بإعادة تصويره وتغيير اسم المستأجر ثم إعادة تصويره ، وكله بنفس القيمة الايجارية ، وهو ما صدقته أنا كأي غر ساذج !!!
وأثار الموضوع حفيظة السفير الذي طلب منهم موافاته بعقود صحيحة ، فقاموا ببعض التحويرات لتغيير القيمة : مثل 125، 115 ، 135 ))
ولكن الكذب ابتر القدمين ، فسرعان ما اختلفوا مع  بعضهم  البعض ، واعترف احدهم للسفير بان قيمة الإيجار خارج العاصمة لا تتجاوز 30 ألفاً ، وان بعضهم يسكنون معا ويقتسمون المبلغ ، كما أن البعض الآخر يحصل علي سكن مجاني من الجهة التي يعمل بها ( سنعود لموضوع الجهات هذا لاحقاً ) ، وكان الاعتراف الكبير أن هناك مجموعة منهم تستأجر منزلاً في منطقة خارج المدن التي يعملون بها بقيمة 50 ألف يقتسمونها بينهم ، ويقيمون جميعا فيه !!!

أما داخل ياوندي فهم يقيمون في منزلين : منزل رئيس البعثة وسكرتيرها اللذان يدعيان أن الإيجار 240 الفاً يقتسمانها ، ولذا احضرا اثنان آخران ليتوزع المبلغ أكثر أي 60 الف للفرد وهو ما يفوق كثيرا المتوقع ، لان 240 ألف مبلغ ضخم للغاية بالنسبة للمنزل وموقعه
اما الأربعة الاخرون فيقيمون في منزل في حي شعبي للغاية لايتجاوز ايجاره 60 الف أي لا يتحمل الفرد سوي 15 الف علي الاكثر.
أنعم وأكرم !
مطلع عام 2004 علي أقصي تقدير، وفي نفس الموقع
 


No comments:

Post a Comment