Saturday, March 2, 2013

هيئة النقل العام



أي قاهري يعرف مدينته من الحافلات الكبيرة حمراء اللون التي تحمل أرقاماً عادية وأرقاماً بشرطة !
 194 بولاق الدكرور – القلعة
 43/ الأميرية -التحرير
812 مساكن عين شمس – العجوزة ،
 يضاف إليها الميني باص – الذي يفترض أنه جلوس فقط مثل :  47 زمالك – احمد حلمي ، 23 النزهة – سراي القبة .
 وكانت النقلة النوعية بإضافة الأتوبيس المكيف - أو المكلف نظراً لأن ثمن التذكرة 2 جنيه - والذي يقطع المدينة من أقصاها إلي أقصاها.

كل هذا يساوي لا شيئاً في أيوندو !!

 ليس هناك هيئة نقل عام ولا أتوبيسات ولا ميني باص ولا طبعا أتوبيس مكيف ، والأتوبيس الوحيد الذي رايته كان الأتوبيس الذي يعمل علي الخط بين أيوندو و ديوالي ، وهو من قبيل السوبر جيت " شركة الاتحاد العربي للنقل " أو أتوبيس غرب الدلتا وهو يعمل بالطبع خارج المدينة وليس داخلها! 
وطبعا ليس هناك مترو أنفاق ولا مترو الشوارع ولا ترمواي ولا تروللي

إذا فما هي وسيلة المواصلات العامة ؟

اذا تحركت في أي شارع في أيوندو تجد أن اللون المسيطر علي السيارات هو الأصفر ، لماذا ؟
 Photo credit : Richard Martin 

   ... لأنه لون سيارات الأجرة ، ليس أصفر في برتقالي أو أبيض أو أحمر كما هو الحال في الإسكندرية أو البحيرة أو دمنهور ، فقط أصفر باهت للسيارة كلها ، وحسب تقديراتي فإن 80% من السيارات المتحركة في شوارع المدينة هي سيارات أجرة ، وذلك نظراً لأن سيارات الأجرة هي وسيلة الانتقالات الشعبية والعامة المتاحة لمواطنين .
وتتميز سيارات الأجرة بعدد من المميزات منها : إن غالبيتها مصاب بإصابات متعددة تعد بمعايير الأمن والمتانة في مصر كفيلة بكلبشة السيارة أو جرها بالونش أو سحب رخص التسيير والقيادة ، فمثلا الزجاج غالبا ما يكون الأمامي منه مصاب بشروخ عديدة او ربما مفتت من بعض الجوانب ، المرايا الجانبية غالبا مهشمة الزجاج ، أو منزوعة الزجاج ، الزجاج الخلفي أو الجانبي للنوافذ مشقق أو مفتت ، أو غير موجود علي الإطلاق ويستعاض عنه بغطاء من البلاستيك يتم لصقه بلاصق ورقي عريض ، خاصة عندما يكون الزجاج الخلفي ، يرجع ذلك لان الزجاج يعد أغلي من الذهب في "بامبوتو" حيث يحتكر أحد رجال الأعمال استيراده من بلجيكا ، ويفرض سعر خيالياً لبيعه لدرجة ان الزجاج الأمامي لسيارتي – تويوتا كورولا 89 – يصل سعره إلي 150 ألف فرنك ( الدولار وقت شراء السيارة كان يساوي حوالي 500 فرنك ) أي حوالي 300 دولار أي حوالي ألفي جنيه مصري ( وقتها كان الجنية يساوي أو علي الأحرى الدولار يساوي 6.25 جنية ) ، وهو مبلغ لو تعلمون ضخم للغاية.

ومن الإصابات الشهيرة البروز والسحجات والكدمات المنتشرة في جميع أنحاء السيارة بداية من الأجناب مرورا بالصادمات وصولاً إلي لوح الأرقام ، والسبب هنا هو القيادة شديدة الرعونة لسائقي التاكسي ، حيث تعد هذه الوظيفة وظيفة من لا وظيفة له .
 فكل من يأتي من القرى والأقاليم البعيدة إلي العاصمة بحثاً عن عمل وهرباً من البطالة ، تكون المحطة الأولي له قيادة سيارات التاكسي ، وذلك عن طريق "المعلمين" الكبار الذين يملكون أساطيل التاكسي ويعمل لديهم السائقين ثلاث فترات علي مدار اليوم لتحقيق أكبر ربح ممكن ، وطبعا يقوم هولاء المعلمين باستخراج رخص القيادة لهولاء السائقين بطرق ملتوية ، وعلي الفور ينطلقون إلي الطرق ويرفعون معهم نسب الحوادث يوماً بعد يوم.

ومن المميزات الفريدة في سيارات الأجرة في أيوندو ، بالنسبة لقاهري مثلي أننا اعتدنا علي العبارة الخالدة المكتوبة بالأحمر علي يمين زجاج التاكسي " 4 راكب " - وليس 4 ركاب –  هذا باستثناء سيارات البيجو 405 المعروفة بسيارات 7 راكب .
 ففي أيوندو حمولة التاكسي تبدأ من 5  وتصل إلي 8 أو أكثر !!
 واسألوني كيف ؟؟؟ 
فالعادي أن يجلس في الخلف 3 ، والإضافي أن المقعد الأمامي يجلس فيه اثنين ويمكن حشر رابع في المقعد الخلفي ، والتجديد الحقيقي أن الحقيبة تفتح ويجلس فيها من راكب إلي ثلاثة !!! علي طريقة الجالسين علي شاطئ البحر ممن تداعب الأمواج سيقانهم ، لكن هنا تداعب الركاب أدخنة العادم المتصاعدة من الشكمان !!

وباعتباري قاهري فلن أستطيع أن أتهكم علي هذا ، فهو أشبه بنكتة أمام مشهد الأتوبيسات المتوجهة للعتبة أو احمد حلمي / رمسيس سابقاً والتي يتدلى الركاب من أبوابها بعد أن تحول من بداخلها إلي معجنات أو سردين

ومن المسلمات هنا أن التاكسي يسير بنظرية أتوبيسات المدارس : التوقف متكرر !!
فمن الممكن أن يتوقف التاكسي 10 مرات في خمسة أمتار ، وعلي من يقود سيارته خلف تاكسي أن يسير بسرعة لا تتجاوز 10 متر في السنة ...!!!
وأن تكون قدمه دوما علي المكابح ، ولا يفيده الملاحظات الذكية بان التاكسي ممتلئ ، فهناك دوما مكان لحشر راكب جديد.

ومن المميزات الفريدة أيضا بالنسبة للركاب هذه المرة ،  أنهم لا يتوقفون في اغلب الأحيان للإشارة للتاكسي ، بل يسيرون في طريقهم وهم يرفعون يد في اتجاه الطريق القادم ، فإذا اقترب تاكسي ضغط السائق علي آلة التنبيه فينظر له الراكب ويدلي بمعلومات وافية حتى يقرر السائق ما إذا كان يناسبه أم لا  علي أساس ان اللي اوله شرط اخره نور .
 فيقول مثلا باستوس ، مكانين ، 300 فرنك ، ولو رضي السائق يضغط مجدداً علي آلة التنبيه و إلا يعاود السير ، ويواصل الراكب الذي لم يركب طريقه مشيراً بيده حتي يتوقف تاكسي جديد أو يصل إلي بيته ايهما اقرب!

ومن المميزات الأخرى بالنسبة لشرطة المرور هذه المرة انه من المعتاد خاصة خلال الليل أن تجد من يشير لك ببطاريات أن تتوقف ، لتفاجأ بأنه ما نسميه في مصر بالكمين ، ويا ويلك لو كنت سائق تاكسي ، فسيكون من العسير أن تفلت دون مخالفات ، حتى لو كانت كل أوراقك سليمة وسيارتك كذلك ( نادر للغاية !!) 
فغالبا ما يكون الهدف من هذا الكمين الحصول علي بعض النقود من سائق التاكسي مقابل عدم تحرير مخالفات ، وغالبا ما تكثر الأكمنة في النصف الثاني من الشهر ، أي بعد أن يكون المرتب قد انتهي وعلي الضباط الحصول علي المزيد من المال ، أو في بداية الشهر عندما يتأخر استلام الرواتب ، أو قبل المناسبات والاعياد وهكذا . والاجمالي ان الاكمنة الابتزازية تكثر في معظم اوقات السنة .

ونظرا للتأثير السلبي لهذه الأكمنة قرر سائقو التاكسي في ياوندي في مارس 2004 الإضراب الشامل ، وعاشت المدينة يوما من دون تاكسيات بلغت نسبة التأخر عن العمل 80% والغياب إلي 60% ، فيما خرجت غالبية السكان إلي أعمالها ومدارسها علي أقدامهم .

 دفع هذا الحكومة لبدء مفاوضات عاجلة معهم أنهت الإضراب قبل صباح اليوم التالي واتفق فيها علي أن تكف شرطة المرور عن الأكمنة الصباحية والنهارية وقصرها علي الليل في الأوقات التي تقل فيها حركة التاكسيات بعد أن تنتهي فترة الذروة المسائية !!!

ومن الايجابيات أن كل سائق يجب عليه أن يضع أمامه صورة رخصة القيادة التي تحمل اسمه وصورته ، بحيث يمكن للراكب تقديم شكوى فيه ، كما أن الخناقات التقليدية بسبب مغالاة السائق في الأجرة غير موجودة نظرا للاتفاق عليها قبل الركوب  .

وفي الإجمال فان المواطن القاهري الساذج الذي وصل لتوه لأيوندو سيضيع وقتاً طويلاً في البحث عن الأتوبيسات " ام ربع جنيه " وحينما لا يجدها يضطر للبحث عن الميني باص " ابو خمسين قرش " ، ثم الاتوبيس المكيف " ابو 2 جنيه " وحينما لا يجد مفراً يضطر وهو مغمض العينين للبحث عن التاكسيات الأبيض والأسود ، ولكنه لن يجدها...
 فالفارق بين القاهرة و أيوندو يمكن اختصاره في هيئة النقل العام .

من غرب وسط أفريقيا 
في العاشر من سبتمبر 2004

No comments:

Post a Comment