Tuesday, December 24, 2013

فراعنة وأسود

من قال أني أحب كرة القدم ؟؟
       لو كنت أعلم أن هذه هي النتيجة لقررت التخلي عن حبي للساحرة المستديرة منذ سنوات وسنوات ...
ولنحكي الحكاية من البداية ، ففي إطار تصفيات كأس العالم وضعت القرعة فريقنا الوطني ضد فريق أسود الكاميرون في مجموعة واحدة، وباعتباري من هواة كرة القدم كنت في قمة السعادة بسبب هذه القرعة انتظاراً لاستضافة الفريق الوطني في مقر عملي، ومع أن التصفيات بدأت في مطلع العام إلا أن المباراة المرتقبة جاء ترتيبها كأخر مباريات التصفيات ، وهو ما جعلها ذات أهمية خاصة حيث يمكن أن تكون مباراة الاحتفال بوصول أي من الفريقين إلي نهائيات كأس العالم .
وخلال التصفيات أعاد الفريق المصري مسلسل الإخفاق المعتاد وتلقي ثلاث هزائم جعلته يبتعد عن طريق الوصول لكأس العالم، فيما انحصر الصراع بين الكاميرون وساحل العاج التي كانت تتقدم علي الكاميرون قبل مباراتين من ختام التصفيات، لكن الأسود الكاميرونية تفوقت علي نفسها وهزمت الأفيال العاجية في عقر دارها ، مما وضعها علي رأس المجموعة قبل مباراتها مع مصر ، ومن ثم أصبح الفوز في هذه المباراة يأخذ الأسود مباشرة إلي كأس العالم دون النظر إلي نتيجة مباراة الأفيال خارج ملعبها مع السودان ،  فيما يؤدي تعادل الأسود أو هزيمتها إلي ابتعادهم عن كأس العالم لأول مرة منذ عام 1990 .
ولكون الشعب الكاميروني غارق حتي النخاع في عشق كرة القدم ، فقد أصبحت مباراة مصر يوم السبت 8 أكتوبر بمثابة حدث تاريخي تدور حوله الحياة ، ويتحدث عنه الجميع بداية من رئيس الجمهورية حتي بائعو الموز في الطرقات .
وكعادة الشعب الكاميروني في الثقة المفرطة كان الجميع في منتهي التأكد من أنهم سيحصلون علي عطلة يوم الاثنين 10أكتوبر احتفالاً بتأهل الأسود لكأس العالم كما جرت العادة لديهم . لم يكن هناك عاقل واحد يفكر في امكانية حدوث العكس ، الكل متأكد وذلك علي الرغم من الخوف المرضي الذي يعاني منه الفريق الكاميروني من الفريق المصري باعتبار مصر ذات اليد العليا في مباريات الفريقين ، وان غالبية المباريات الحاسمة انتهت لصالح مصر ، وان الهزيمة الوحيدة التي تلقاها الفريق الكاميروني في هذه التصفيات كانت علي يد مصر ، لكن نشوة الفوز علي ساحل العاج في ملعبها أنستهم الحذر.
 في السفارة كان العمل قد بدأ مبكراً، فخلال كافة لقاءات السفير مع المسئولين الكاميرونيين كانت المباراة تطرح نفسها كموضوع هام، فمنذ تقديم صورة أوراق الاعتماد لوزير الخارجية، وحتي مقابلة رئيس البرلمان مروراً برهط من الوزراء كان لقاء الأسود مع الفراعنة محطة لا فكاك منها، وعقب كل مقابلة كانت الصحافة المرئية والمسموعة والمقروءة تكرر نفس السؤال، كم تتوقع نتيجة المباراة ؟ هل تعتقد أن مصر يجب أن تترك الكاميرون تربح خاصة أنكم لن تستفيدوا شيئاً من الفوز ؟ وبطبيعة الحال كان لا بد من رد دبلوماسي لمثل هذه الأسئلة يدور حول من يلعب أفضل يكسب وما إلي هذا من سخف وهراء، فكلنا كان يريد أن تفوز مصر أو علي الأقل تتسبب في الإطاحة بالكاميرون من التصفيات، ربما بسبب التعالي المفرط الذي نحسه في تعاملاتنا معهم، أو ربما بسبب وطنيتنا التي تتضاعف خارج مصر لحد لا يصدق، والمهم اننا جميعا كنا نرغب في تحقيق نتيجة ايجابية علي الرغم من انها لا تجدي نفعاً.
بدأت الترتيبات بوصول فاكس من الاتحاد المصري للكرة يفيد بموعد الوصول وتشكيل الوفد، وكانت المفاجأة الأولي أن الفريق لن يصل مباشرة إلي العاصمة، بل سيصل إلي دوالا علي رحلة الخطوط الفرنسية  
وحتي يبطل العجب أقول أن هناك أسباب ثلاثة هي:
1.    أن المباراة ستجري في ياوندي وليس دوالا، وهناك رحلات لخطوط عديدة تصل إلي ياوندي
2.    أن الرحلات الداخلية بين ياوندي ودوالا لا يمكن الاعتماد عليها مطلقاً ويمكن الا تقوم الرحلة لمدة يومين
3.    أن الطريق البري بين ياوندي ودوالا يحتاج أربع ساعات علي الأقل ويفضل أن يكون ذلك في ساعات النهار
4.    أن تكلفة السفر علي الخطوط الفرنسية تفوق تكلفة السفر علي أي خطوط أخري بمعدل مرة ونصف ( هم أربعة أسباب ...)
ونظراً للأهمية غير المسبوقة للمباراة كان اهتمام الاتحاد الكاميروني للكرة بالفريق المصري مبالغاً فيه حتي أنهم تدخلوا بقوة لدي شركة الطيران لضمان قيام الرحلة الداخلية في موعدها ، وقاموا بترتيب إقامة الفريق في أحدث فندق بالعاصمة الذي يبعد خطوات من السفارة الأمريكية لضمان تواجد أمني مكثف لوضع حد لأية مضايقات قد يتعرض لها الفريق من المشجعين وهو ما كان وارداً جدا بسبب الأخبار التي ترددت عن قيام رئيس الاتحاد المصري بلقاء وفد من ساحل العاج يحمل عرضاً مغرياً للمنتخب المصري في حال نجاحه في إيقاف مسيرة الأسود ، وهو ما تلقفته وسائل الإعلام الكاميرونية وضخمته إلي حد غير متوقع حتي أن المواطن الكاميروني كان يتحدث عن اللقاء كأنه حضره وأن المصريين وافقوا علي دعم العاجيين مقابل قيام العاجيين بإقامة معسكر تدريبي في القاهرة بتكلفة تفوق التكلفة العادية
يوم المباراة كان يوماً عجيباً للغاية فقد استيقظنا علي أمطار كاسحة ، أمطار غزيرة كالسيول تغرق العاصمة ياوندي بقوة غير متوقعة ، ومن الطبيعي أن تهطل الأمطار في هذه الفترة لكن المميز أن المطر امتد بعنف لثلاث ساعات بدون توقف ، وبعدها كانت أمطار خفيفة تهطل بين الفينة والأخرى ولم تتوقف إلا قبل المباراة بساعتين ، وطبعا تحول الملعب إلي بركة فشلت معها كافة المحاولات اليدوية لنزح المياه ، إضافة إلي سوء حالة الملعب في الأساس ، وهو ما لقي ارتياحاً من جانب الفريق المصري نظراً لأن سوء حالة الملعب لن تسمح للفريق الكاميروني باستخدام ابرز مهاراته من سلسلة التمريرات الأرضية والمهارات الفردية للاعبين المشاهير وعلي رأسهم صمويل ايتو الابن نجم برشلونة ،وهداف الدوري الاسباني وزميل رونالدينيو البرازيلي.
توليت مهمة توزيع التذاكر القليلة التي حصلنا عليها من الاتحاد الكاميروني علي الجالية المصرية ، وكانت مشكلة جديدة بسبب الطبيعة المصرية ، كان هناك نوعان من التذاكر ، واحدة للمقصورة الرئيسية وعددها محدود ، والثانية للدرجة الأولي وعددها أكبر . كانت الجالية تتكون من 15 مبعوثاً للأزهر تم جمعهم من البلدان القريبة ومنهم رئيس البعثة وسكرتيرها ، بالإضافة إلي أربعة من الخبراء المصريين العاملين في الكاميرون ، وثلاثة من المصريين العاملين بالتجارة ، يضاف إليهم ثلاثتنا العاملين في السفارة بغض النظر عن السفير . وفي قاعة الفندق حيث وقفت أوزع التذاكر اعترض رئيس بعثة الأزهر علي منحه تذكرة درجة أولي مع المبعوثين وهاج وماج ، وبأعصاب شبه محترقة استخدمت العبارة الأمريكية الشهيرة " خذها أو اتركها" – متذكراً خالدة الذكر مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية وهي تقولها في أعقاب كل تهديد للفلسطينيين وايران والعراق وباقي الأوغاد المعتادين – وطبعا كما هو متوقع فإن هذه العبارة " سرها باتع"  ، رضخ ووضع لسانه في فمه. تلي ذلك ظهور مفاجئ للمهيب العميد الركن – راجع الفقرة الخاصة به إن كانت سبقت أو ابحث عنها فيما سيلي – وطبعا كان لزجاً كذبابة الفاكهة لحوحاً كمتسول في إشارة مرور ، وفي هذه المرة كان أيضا محظوظاً كمن سقطت عليه تفاحة ، فقد انتهت التذاكر الخاصة بالدرجة الأولي و لم يتبق سوي تذاكر المقصورة ، وبعد ما فعله رئيس البعثة لم أكن لأمنحه تذكرة المقصورة وادفع بالعميد إلي صفوف مبعوثي الأزهر ، ونظراً لوجود احتمالات وقوع اشتباكات وامكانية الاستفادة من خلفية العميد العسكرية حتي لو كانت مشكوكاً فيها ، قررت منحه التذكرة الأخيرة .
 في الطريق للملعب كنت استمع للإذاعة الحكومية الكاميرونية التي كانت قد بدأت منذ الصباح ارسالاً خاصاً بالمباراة ، وقام مراسلها المكلف بمتابعة الفريق المصري بعرض تقرير بالغ الطرافة ، فقد ذكر أن الفريق المصري لم يكتفي بالتدريبات فقط لمواجهة الأسود ، بل نظراً لخوفه من سحر السحرة يقوم يومياً بأداء صلوات خاصة في المساء في قاعة بالطابق الذي يقيم به ، وليلة المباراة توجه الفريق لمنزل السفير المصري حيث أقام صلاة خاصة إضافية وهو ما يعكس حالة الرعب التي يعاني منها الفريق  المصري من القوة الخارقة للفريق الكاميروني الذي لا يقهر ، وأضاف أن المصريين سبق لهم وأن أدوا نفس الصلاة في مطار دوالا فور وصولهم وهو ما يهدف بطبيعة الحال لمواجهة أي محاولات لإيذاء الفريق من الأرواح الشريرة .
لا أدري أأبكي أم أضحك من هذا الهراء ، خاصة أن المسلمين يشكلون 40% من سكان الكاميرون ، فلابد أن يكون هناك دراية بقدر ما بالشعائر الإسلامية ، فهذا التقرير يمكن تفسيره كما يلي : حينما وصل الفريق كانت الساعة تعدت الرابعة عصراً فصلي اللاعبون صلاتي الظهر والعصر جمع تأخير ، وعندما وصلوا إلي ياوندي اجتمعوا لصلاة القيام لكوننا في شهر رمضان وواظبوا عليها طوال تواجدهم وحتي بعد انتهاء المباراة وذهابنا للمطار أدوا الصلاة هناك في انتظار الإقلاع ، أما زيارتهم للسفير فقد دعاهم للإفطار في منزله ، واللطيف هنا أن مصادر المراسل الكاميروني خدعته حيث لم يصلي اللاعبون هناك وفضلوا الانتظار حتي العودة للفندق لصلاة المغرب والعشاء والقيام ، فيما أدي صلاة المغرب العاملين بالسفارة وباقي المدعوين . 
§       تحركنا من الفندق في وسط المدينة ضمن موكب تتقدمه سيارة شرطة ودراجة نارية لفتح الطريق ثم سيارة رئيس البعثة المصرية التي صحب فيها رجال الصحافة كعادته في كل تحركاته ، ثم سيارة الفريق ، وحافلتين صغيرتين احضرتهما السفارة لنقل المشجعين المصريين ، ثم سيارة ضمتني مع الملحق الإداري. حينما اقتربنا من الملعب كان زئير الجماهير يصم الآذان ، فحول كافة مداخل ملعب أومني سبور كانت هناك طوابير تمتد لمئات الأمتار من المشجعين الذين ارتدوا جميعهم تقريباً القميص الأخضر الذي تم توزيعه مع التذاكر والمكتوب عليه كلنا مع الأسود. وكالعادة الأفريقية كان هناك العشرات من السحرة سواء الحقيقيين أو المدعين الذين صبغوا أجسادهم بألوان الفريق وارتدوا جلود النمو وأمسكوا العظام والجماجم وهم يرقصون رقصاً هستيرياً بالنسبة لي فنياً بالنسبة لهم ، كلما اقتربنا كانت الأصوات ترتفع ، لكن الحماية المكثفة التي وفرتها الشرطة جعلت دخولنا للملعب ميسوراً ، ولكن كان لا بد من بعض المتاعب المصرية المعتادة ، ففور مغادرة اللاعبين لسيارتهم وتوجههم إلي غرف تغيير الملابس إذا بالمشجعين المصريين وعلي رأسهم مساعد الملحق الإداري يتبعون الفريق إلي غرفهم ، وكان من غير المجدي أن أصرخ فيهم فبالكاد أسمع نفسي ، مما اضطرني للركض ورائهم وجذبهم والإشارة إلي مدخل المقصورة الرئيسية ، لكن للأسف افلت بعضهم فأرسلت بعض رجال الشرطة لإحضارهم من الداخل . وبعد تجميع الفاريين توجهت مع بعثة الأزهر لإيصالهم ، ثم اصطحبت باقي الجالية الي المقصورة الرئيسية ، ولما دخلنا أخبرني احد المنظمين انه لا توجد أرقام للمقاعد وانه يمكن منحنا مقاعد بعددنا في المقاعد الأمامية ، وعندما تقدمت كان احد الأطباء ولندعه "د.مندفع" يدفعني ويتقافز كي يحصل علي مقعد في أول صف ! ومن الحظ العاثر أنه انتقي المقعد المجاور للسفير الأمريكي وزوجته ، وبالطبع حييت السفير وزوجته وابنتيه وعدد من أعضاء السفارة الذين ارتدوا جميعا القمصان الخضراء المؤيدة للكاميرون ، وحاولت أن اقنع د. مندفع أن يبادلني مقعده رفض وبشدة بل اخذ يلوح بالعلم الكبير في يده ليرتطم بوجه ثلاثة يجلسون إلي جواره بشكل منتظم ، وحينما طلب منه طبيب أخر أن يجلس حتي يستطيع الباقين الرؤية رفض واخذ يزيد من وتيرة التقافز والصياح بداعي الوطنية ، وخلال فترة ما قبل المباراة كان د. مندفع قد تشاجر مع كافة أفراد الجالية المصرية وعدد من الأمريكية والكاميرونية ، ومن ثم اتفق الجميع علي عدم الرد عليه خلال المباراة فبقي يحادث نفسه ويتشاجر مع ذاته  . ومن موقعي لاحظت أن الأعلام التي منحناها لمبعوثي الأزهر غير مرفوعة ، وطبعا توقعت أنها تعليمات رئيس البعثة المستاء ، فأرسلت اليهم من يخبرهم بأن يخرجوا الاعلام أو يعيدوها لنا فوراً ، وجاءت الرسالة بنتيجة فورية ، وكانت الأعلام التي رفعها الأزهريون هي فقط ما ظهر خلال النقل التلفزيوني للمباراة والذي تجاهل مشجعي مصر بشكل كامل.
§       قبل المباراة كانت الإذاعة الداخلية تعيد لمئات المرات الأغنية الخاصة بالأسود التي يغنيها المطرب ولاعب التنس السابق يانيك نواه الفرنسي من أصل كاميروني ، والذي يعد مساعداً نفسياً للفريق أو طبيب ساحر لكن بشكل عصري ، وقد أعزي إليه الكثيرون فوز الكاميرون علي ساحل العاج في عقر دارها  وإن كان ذلك مبالغاً فيه للغاية ، فالرجل اكتفي بالتصوير مع لاعبي الفريق بعد المباراة في غرفة الملابس . لكن في هذه المره حضر نواه مبكراً وشارك في التدريبات واقام داخل معسكر الفريق وكان يبذل جهداً واضحاً لفصل اللاعبين عن الضغوط العصبية المتزايدة التي بلغت حدها باستعداد الجمهور للاحتفال والسهر بعد التأهل لكون الاثنين سيكون اجازة عامة احتفالاً بالوصول لكأس العالم  للمرة الخامسة علي التوالي ، وهو ما ألمح إليه رئيس الجمهورية في رسالة وجهها للفريق وعدهم فيها بمكافأت ضخمة بعد الفوز. 
§       قبل أن تبدأ المباراة كان كبير السحرة يصحب فريقه من السحرة لأداء طقوس خاصة في أرض الملعب يعتبرها الجمهور الكاميروني جلبا للحظ السعيد للفريق ، خاصة أنه يحدد للفريق الكاميروني نصف الملعب الذي يختاره في النصف الأول حيث يدعي تجنيد الأرواح لحماية مرماهم وفتح مرمي خصومهم امامهم ، ولا يستطيع قائد المنتخب الكاميروني عصيان تعليماته.
§       عندما بدأت المباراة لم يظهر أي من الفريقين بمستواه المعروف نظراً لسوء حالة الملعب البالغ ، اضافة إلي التوتر والضغط العصبي الشديد الواضح علي كافة لاعبي الكاميرون حتي المشهورين منهم والذين سبق لهم المشاركة في كأس العالم مرات عديدة بل والفوز بدورة الألعاب الأوليمبية أيضا ، كان واضحاً أن النجم الأول صمويل ايتو غير موجود علي الاطلاق في الملعب ، وعندما جاء الهدف الأول من الكاميرون سجله لاعب مغمور يلعب مباراته الثالثة دولياً فقط ، لكن هل قلت هدف؟ نعم ففي الدقيقة الخامسة عشر سجل رودلف دوالا هدفاً للكاميرون ارتج الملعب علي أثره ، وفي أعقاب الهدف بدا كأن الفريق الكاميروني قد انهي مهمته واكتفي باللعب في وسط ملعبه ولم يكن له وجود مذكور ، في الشوط  الثاني تشجع الفريق المصري وهاجم عدة مرات حتي نجح قبل النهاية بعشر دقائق في تسجيل هدف التعادل . لو القيت ابرة علي ارض الملعب لرددت جنباته صداها !! توقفت كل الأصوات ، انحبست الأنفاس في الصدور ، دوت أصوات حفنة المصريين لترج الملعب وسط ذهول الكاميرونيين . ظل الفريق الكاميروني تحت الصدمة رغم محاولات الحكم المستميتة لمساعدتهم ، لدرجة انه اضاف 5 دقائق كوقت بدل للضائع رغم ان الوقت الضائع لم يتجاوز الدقيقة ، وعندما فشل الفريق الكاميروني في استغلاله كان الفريق المصري يشن هجمات مرتدة بالغة الخطورة ،الا أن الحكم المالي قرر فجاة منح ضربة جزاء سخية للغاية للكاميرون ، أكدت الاعادات التلفزيونية عدم وجود أي مبرر لها .
§       هنا عادت الحياة للملعب وتنفست البلاد الصعداء ، أما علي أرض الملعب فقد امتنع أي من لاعبي الكاميرون عن التقدم لأخذ الكرة ، علي الرغم من وجود ترتيب لآخذي ضربات الجزاء ، وهو ما دفع بيير وومي المدافع المحترف في روما الايطالي لاخذ الكرة رغم أنه يحتل الرقم 5 علي القائمة ، مستنداً إلي أن الكاميرون لن تنسي له أنه احرز ضربة الجزاء الأخيرة التي منحتهم الفوز بدورةا لألعاب الأوليمبية عام 2000 . في نفس الوقت كان قائد الفريق الكاميروني يتوجه إلي قائد المنتخب المصري الذي يعرفه بشكل شخصي حيث يلعبان سويا وقال له " ارجوك اطلب من حارسكم أن يترك الكره تدخل ، لو ضاعت لقتلنا جميعا هنا" ، في نفس الوقت كان صمويل ايتو يتوجه للحارس المصري  ويطلب منه ان يترك الكره تدخل المرمي . والغريب أن الفريق المصري تعاطف للغاية مع لاعبي الكاميرون حتي أن الحارس تقريبا ارتمي في مكانه فاتحاً المرمي أمام اللاعب الكاميروني إلا أن ذلك الأخير سدد الكرة بقوة لتصطدم بالعارضة وتخرج خارج الملعب.هنا كانت أصوات المصريين تعود لتزلزل الملعب الذي ساده هدوء المقابر ، في اللحظة التالية تقدم الهجوم المصري بالكرة وسط لاعبي الكاميرون فاقدي الاحساس ، وقبل أن يسدد المهاجم الكرة داخل الشباك اطلق الحكم المالي صافرته الغادرة ليحرم الفريق المصري من فوز مستحق.   
§       كانت ضربة الجزاء الضائعة هي القشة التي قسمت ظهر البعير فقد انقلبت الجماهير علي فريقها وأخذت تصفق للاعبي الفريق المصري ، وطوال الطريق من الملعب حتي المطار كانت الجماهير المصطفة تحيي الفريق المصري وتهتف ضد فريقها ، بل أن بعضهم حمل صور لنجم ساحل العاج ديدييه دروجبا الذي قاد فريقه لكأس العالم لأول مرة في تاريخه .
§       لم يعكر هذا التقدير سوي قيام مجهول بقذف حجر علي الزجاج الأمامي لسيارة السفير المصري الذي غادر الملعب فور احتساب ضربة الجزاء ودون حراسة. 
§       في  اليوم التالي جاءني من يريد بيع قرص مدمج (سي دي ) للمباراة ، طبعا بعد أن فقد السوق المنتظرة بضياع الانتصار وتحول مباراة العبور الكبير لكأس العالم كما سمتها الصحف إلي مباراة النكسة ، قرر البائع أن يبحث عن زبائن جديدة ولم يجد سوانا ، وكالعادة طلب مبلغ خرافي يصل إلي 100 دولار نظير القرص ، ورغم أنه لم يكن في نيتي شراء القرص الا اني طلبت أن أتأكد من جودته ، وكما توقعت كان التسجيل سيئاً للغاية لا يمكن مشاهدته بأي حال من الأحوال ، فأعدته لصاحبه وانا أبدي تأسفي واستيائي وخيبة أملي لفقد فرصة ثمينة كي ابتاع قرصاً عليه مباراة حضرتها بالملعب مقابل مائة دولار ، وهو تقريبا مرتبي في القاهرة قبل السفر إلي خلف خطوط العدو .

§       حصلت من المدير الإداري للفريق علي احد القمصان الخاصة بالفريق التي خاض بها المباراة ذاتها ، وفي أول مرة ارتديته خلال جولة تسوق تلقيت أكبر مجموعة ملاحظات وتعليقات من المارة والمتسوقين ، وعلي الرغم من الغرور الكاميروني التقليدي الا أن التعليقات هذه المرة كانت منكسرة وحزينة ، فكان غالبية من يلاحظوا القميص يقولون " ولماذا هذا ، الم تهزمونا وكفي " أو يشيرون لبعضهم : " انظر هذا هو القميص الذي ذبحونا به" ، وبعد مرور شهور علي هذه المباراة وكلما ارتديته غالبا ما سمعت من يعلق عليه ويتذكر ذلك اليوم المأساوي للشعب الكاميروني ، اليوم الذي روضت فيه مصر الأسود التي لا تقهر.  

Monday, December 23, 2013

سندباد مصري

أحكي لكم اليوم عن واحد من أعجب الشخصيات التي مررت بها علي الاطلاق
أعود بكم إلي الأجواء الأفريقية المحببة إلي نفسي، لنذهب إلي حيث توجد نسخة شابة مني، كانت الشمس ساطعة في كبد السماء ، وأنا غارق في الأعباء ، عندما دق جرس الهاتف لأجد حارس الأمن يحمل لي كالعادة هدية جديدة !!!
 هناك مصري يرغب في مقابلتي  !!!
هناك خمسة مصريين تقريبا يتواجدون في هذه المدينة وكلهم يعرفون رقم هاتفي
لا بد أنه غريب
وباعتبار المواطن المصري الكادح ... هو من يدفع لي راتبي ...فلابد أن أقابله في أي وقت جاء... وفي أي ساعة حل.
عندمادخل إلي مكتبي لم أدرك للوهلة الأولي كيف يكون مصرياً ؟
فلقد رأيت رجلا يبدو في أواخر الخمسينات، يرتدي ملابس رثة  ، متوسط الطول ، أصلع الرأس إلا من بعض الذوائب في مؤخرتها   يطيلها لتصل إلي عنقه ، تحولت بشرته إلي لون برونزي عجيب كأنه يقضي طول يومه علي الشواطئ وتحت الشمس الحارقة. ومثار العجب أن عينيه الغائرتين  وبشرته ذات اللون الفريد وشعره الفضي الطويل يجعلانه اقرب لبحاري شمال المتوسط ، أو سكان أمريكا اللاتينية ، من الممكن أن يكون مواطناً مكسيكياً بدون شك.
 رحبت به فجلس قبالتي وهو يقول :
-      اسمي"...." طاهي مصري أعمل في أفريقيا منذ عشرين عاما او يزيد ، أتيت إلي هنامن الجابون حتى احصل علي تأشيرة دخول إلي غينيا الاستوائية حيث سأعمل مع فرع المقاولين العرب هناك ، ارغب في الحصول علي مذكرة من السفارة لسفارة غينيا الاستوائية لمنحي التأشيرة ، لأن سفارة غينيا الاستوائية في الجابون قد أغلقت "
 وأراني مذكرة من السفارة المصرية في الجابون بنفس المعني ، ولما كان التيار الكهربي مقطوعاً - أمر طبيعي جداً ودائم الحدوث -طلبت منه أن يعود في الغد للحصول علي المذكرة.
نسيت الموضوع لفترة قبل أن يرن الهاتف مره أخري لأجد مدير فرع المقاولون العرب في غينيا الاستوائية ، تحدثنا لفترة قبل أن أسأله عن موضوع الطاهي الذي سيعمل لديهم ،فاندهش وذكر انه ليس لديه أي فكره عن الموضوع ، ومن ثم قال دعني اتحري الامر واتصل بك مجددا
بعدربع ساعة  كان  يتصل من جديد ويقول:
-      لاتمنحه أي مساعده  نحن لا نريده انه قادم بناء علي مبادرة شخصية ، لقد سبق وان اشترينا منه مخبزاً كان يملكه في بنين  ومن ثم اعتبر نفسه شريكاً لنا ويتتبع فروعنا في أفريقيا وسبب لنا العديد من المشاكل في بنين وموريتانيا ، لذا نحن لا نريده في مالابو  .
 شكرته وأبلغت السكرتيرة أن تلغي المذكرة
وانتظرت أن يأتيني
وحينما جاء تلقي الخبر بهدوء شديد كأنه كان يتوقعه ، وعلي الفور فاجأني بمبادرة جديدة :
-"أريد أن تجمعوا لي تبرعات من المصريين هنا لشراء تذكرة سفر لمصر"
طبعا كان هذا حلماً فتذكرة السفر تصل إلي 1400 دولار ، والمصريون هنا يعدون علي أصابع اليد الواحدة  وأنا واثق أنهم لن يدفعوا مليماً واحداً له . وحينما اعتذرت قال:
-إذا اجمعوا لي 600 دولار وسأعود بالطريق البري !
سأركب القطار حتى تشاد
 ومن تشاد بالسيارة الي ليبيا
ومن ليبيا الي مرسي مطروح .
 أعدت النظر للطاهي الذي تجاوز الخامسة والستين والبساطة التي يتحدث بها عن رحلة في أدغال وصحاري أفريقيا  تمتد لأكثر من خمسة آلاف كيلومتر ، وكأنها رحلة إلي القناطر الخيرية .
 اعتذرت من جديد  وقلت أن الوسيلة الوحيدة هي أن نقوم بترحيله علي نفقة الدولة  ومن ثم يمكن له سداد التكاليف عندما يعود لمصر . فرد بأنه يعرف الترحيل جيدا وانه لن يرضي به .
 قلت : ليس لدي حل اخر .
 فقال : ان نقودي قاربت علي النفاد ولا يرغب في العودة مرحلاً وسيبحث عن عمل.
 تمنيت له التوفيق وتركته يرحل.
اختفي الرجل ونسيت أمره تماما ربما لأسبوع قبل أن المحه يوما بعد صلاة الظهر في المسجد متوجها إلي إدارة المسجد ومعه فتاة/سيدة محلية ولما كنت متعجل المغادرة لم أهتم بمتابعته أو السؤال عنه ومر يومان آخران قبل أن يأتي يوم اللقاء التالي ، فبعد صلاة الظهر مرة أخري خرجت من المسجد لأجده واقفاً في انتظاري ...
 قال : لقد ذهبت للسفارة لأقابلك فلم أجدك
 قلت: طبيعي فاليوم عطلة
 قال : جيد لقد رغبت في أن أبلغك خبراً مهماً
 بدأت في التفكير العاجل والسريع ..
 ما هو الخبر المهم الذي لا يمكن تأجيله حتى نهاية العطلة ؟
وهل سيكون له علاقة به شخصياً
 أو بقرار حاسم اتخذه
 أو تطورات دراماتيكية وقعت علي الساحة المحلية ؟
 قاطع استرسال أفكاري صوته وهو يقول :
"لقد تزوجت ...!!! "
هنا استرجعت مشهده هو ، والفتاه/ السيدة،  وبدأت أفكاري تأخذ منحا جديداً ،
قاطع استرسال أفكاري من جديد وهو يقول:
-      لقدتعرفت بفتاة محترمة  وقفت إلي جواري وساعدتني ، وأقنعتها باعتناق الإسلام وجئنا إلي المركز كي تشهر إسلامها ،ومن ثم عقدنا القران "
 لم أجد ما أقول تعليقا علي هذه الأخبار السعيدة سوى الجملة التقليدية "مبارك عليكما" ..
وقبل أن استطرد بالسؤال عن سبب رغبته الشديدة في إطلاعي علي النبأ المهم بدون انتظار ،كان يقاطع استطرادي ويقول:
-      "لقدرغبت في الحضور إليك كي أبلغك أني موافق علي الترحيل ... ارغب في أن تعيدوني لمصر أنا وأسرتي !!!"
كنت أتحسب هذا الطلب  ومن ثم قررت أن انهي المقابلة فقلت:
-       يمكنك أن تأتي للسفارة غدا وسوف نري ما يمكن لنا فعله
 لم يرق له ردي  وطفحت علي وجهه علامات التبرم  لكنه لم يجد بدا من الاستسلام لقراري  وقال " غدا نلتقي"

  في عصر هذا اليوم خرجت للتريض مع صديق من السفارة السعودية ، وكالعادة ظللنا نتجاذب إطراف الحديث
 الذي قادنا إلي قصة الطاهي فرويتها له ، فابدي استغرابه من التصرفات الغير متوقعة  من رجل في العقد السابع من العمر ، ومن قدرته علي إدهاش الآخرين .
 في اليوم التالي وفي تمام العاشرة  كان الهاتف يدق من جديد حاملاً صوت حارس الأمن الذي أصبح كجرس الإنذار بالنسبة لي معلنا وصول الطاهي وبصحبته زوجته ... العروس... كانت العروس في الرابعة والعشرين من عمرها
 أي أن العريس يكبرها بواحد وأربعين عاماً !!!
سألته عن طلباته علي طريقة المقاهي الشعبية فكرر طلبه قيام السفارة بترحيله هو وأسرته ،ولما استعلمت عن معني كلمة أسرته قال زوجته،  وهنا تدخلت لاسأل العروس عما إذا كانت قد سبق لها الزواج فقالت لا . وهنا كان لا بد أن اسأل سؤالاً اضافياً فقلت:  هل لديها أطفال؟
فاجابت:  نعم لدي ابن !!
كان هذا سؤالاً ضرورياً في مجتمع تنتشر فيه ظاهرة الأبناء غير الشرعيين .
هنا التفت للطاهي وقلت :-      الآن تريد أن نقوم بترحيلك أنت وأسرتك .. العروس وابنها أيضا.. ؟!!
فرد بكل ثقة :-      لو كان هذا ممكناً .
تمالكت أعصابي وأنا أقول:-      التعليمات التي لدي تقضي بترحيل المواطنين المصريين فقط علي حساب الدولة ،
 لذا فان زوجتك وابنها ليس لديهم الحق في الترحيل
هنا اكتسي وجهه بغيمة من الحزن وهو يقول: وهل ستفرقون شمل أسرتي بهذه البساطة"
اكتسي وجهي أنا هذه المرة بغيمة من الغيظ أمطرت في صورة كلمات تساقطت كالسيول :
-      أسرتك...أي أسرة هذه يا رجل !!!  هلا اكتفينا بهذاالقدر من النقاش !! هناك عرض واحد لدي اقبله أو ارفضه...
يتم ترحيلك وحدك أو تبقي مع أسرتك الجديدة.
-      لا..اذهب لحال سبيلي ...
-      مع أطيب تمنياتي بالتوفيق لك ولأسرتك.
عصر ذلك اليوم خرجت للتريض مع نفس الصديق السعودي ، والذي بادرني بالقول فور ما التقينا :
-      لقد زارنا اليوم شخص مصري ، احذر من ؟
-      لاتقل لي أنه الطاهي
-      هو بعينه
-      وماذا أراد ؟
-      يطلب معونة لزوجته باعتبارها من المهتدين الجدد
-      وماذا قلت ؟
-      كالعادة أن السفارة غير مكلفة بهذا الموضوع وان المركز الإسلامي هو المختص
-      وهل ذهب إليهم ؟
-      بمجردأن غادر السفارة ذهب إلي المركز . لكن آماله تبددت عندما أخبروه أنهم لا يقدمون أموالاً ، بل يساعدون في الحصول علي عمل ، ومن ثم فقد غادروا المكان
-      هكذا ببساطة.
-      بمنتهي البساطة.
 وكما ظهر الطاهي فجأة اختفي فجأة وانقطعت أخباره ،
 تاركاً خلفه أحجية لها حل من ثلاثة :

1.   قرر الاستقرار وبدء حياه جديدة مع أسرته الصغيرة
2.   قرر العودة لمصربالطريق البري مع أسرته الصغيرة
3.   طلق زوجته بعد فشله في السفر معها إلي مصر حسب الاتفاق

Wednesday, August 7, 2013


مفاجأة العيد...
قريباً لدي الباعة والمكتبات...
ألذ من كحك العيد
أحلي من الغريبة ( تنطق غوراييبا)
أمتع من القرص بالعجوة حتي لو كان معها شاي بلبن
الرواية الأولي لأديب الشباب
الوحيد الذي جمع بين عبقرية نبيل فاروق وروعة أحمد خالد توفيق دون أن يكون طبيباً
كوكتيل جون جريشام وستيفن كينج مع قليل من جيفري أرتشر
انتظرونا



Saturday, March 2, 2013

فيراري...بورش...هامر

انضم جار جديد إلي القاطنين في المبني السكني الذي أعيش فيه في بلدي الثاني ...
 لا جديد في هذا ... 
أمر طبيعي للغاية...
أمر طبيعي أيضا أن يكون لدي الجار الجديد سيارة يتركها في مكان الانتظار الخاص بشقته والذي يحمل رقمه ككل السكان
لكن الأمور غير الطبيعية بدأت عندما قابلت سيارة الجار الجديد
كانت سيارتي السوداء من طراز ياباني منتشر في هذا البلاد
سيارتي السوداء الرقيقة

 تتواري خجلاً عندما رأت السيارة الجديدة ا

التي احتلت مكان الانتظار الملاصق لها ...

كانت " فيراري " حمراء من انتاج عام 2006 !!!
كأنك أتيت بملكة جمال مسطرد عام 1980 مثلاً – علي رأي بلال فضل – ووضعتها إلي جوار ملكة جمال العالم الحالية.
طبعا لا يمكن أن أقول إلا " بسم الله ما شاء الله ... لا قوة الا بالله " " ربنا يزيدك من نعيمه يا جاري"
تجاهلت الموقف وصممت علي أن أجعل سيارتي لا تصاب بالاحباط بسبب هذا الموقف ، مع تأكيدي لها بأنها ستبقي في نظري دوما أفضل سيارة في العالم.
لكن الجار الجديد لم يسكت ... فبعد أسبوعين علي الأكثر كنت عائداً من عملي وبعد أن ترجلت من سيارتي وتوجهت نحو درجات السلم وجدت سيارة سوداء من طراز بورش – انتاج 2006 – تمرق إلي جواري وتستقر في مكان انتظار أخر ، ألقيت نظرة سريعة علي السيارة لأجد جاري العزيز يهبط منها بسلاسة .
تظاهرت بأني لم أره وواصلت طريقي نحو السلم ولكنه نادي علي...!!!
كنت قد تعرفت إليه مصادفة صباح أحد الأيام عندما قدمه لي مالك المبني باعتباره جار جديد فحييته بكلمات قليلة ولم أطل الوقوف
في هذه المره كأن حريصاً علي التحدث إلي ...قال أنه يرغب في تبادل موقع الانتظار معي حتي يستطيع أن يضع سيارتيه متجاورتين !!!
وحتي لا أطيل الحديث وافقته علي الفور متمنياً أن يكون في هذا خير لي ولسيارتي وله.
لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه...
مرت أسابيع قليلة اختفي فيها الجار واختفت البورش السوداء وظلت الفيراري الحمراء قابعة في مكانها ، وفجأة عدت مساء يوم لأجد أن مدخل المبني السكني المؤدي إلي موقع الانتظار مسدود...
كانت هناك سيارة من طراز " هامر" تحتل المدخل...!!!
ونتيجة لتأثير أخبار الجزيرة والعربية وما شابههما توقعت أن كتيبة من مشاة البحرية الأمريكيين تقوم بتمشيط المبني حالياً وأنهم تركوا سيارتهم المصفحة السوداء في الأسفل.
لكن الحقيقة كانت أن جاري عاد من سفره مصطحباً معه أحدث ألعابه... سيارة هامر من انتاج 2007 هذه المرة ... تماماً كالتي تستخدمها القوات الأمريكية في العراق ، مصفحة ضد الألغام الأرضية ، تصل سرعتها القصوي رغم حجمها الضخم إلي 300 كيلو متر في الساعة ، وغير قابلة للانقلاب !!!
كانت هذه هي " الهامر" التي قصمت ظهري
البورش والفيراري من الممكن أن ابتلعهما مع قليل من المصاعب
لكن " هامر " ؟؟
لا أعرف من يملك واحدة منها سوي " عمرو دياب " كما ذكرت الصحف الصفراء
لكن ما حاجة الجار العزيز في مثل هذه البلاد إليها؟
لذا تحينت الفرصة حتي أساله ، ولعله كان ينتظر ...
حييته وسألته عن سبب اختفائه فقال انه يسافر كثيراً إلي الخارج ، كما يسافر كثيراً إلي المناطق الشمالية التي تبعد عن العاصمة بأكثر من ألف كيلو متر ويقضي هناك عطلات مع أهله... ولهذا ابتاع سيارة تناسب هذه الرحلات الشاقة ..." الهامر "
كدت أجيبه بأن سيارات الدفع الرباعي تستخدم عادة لهذا الغرض ويقل ثمنها بكثير جدا... جدا ، لكن سؤالاً ملحاً طرأ علي بالي ... ما هي تلك الوظيفة التي تجعلك تشتري فيراري...بورش...هامر ؟
علي من يعرف الاجابة الاتصال بي أو ترك الاجابة علي المدونة والجائزة ... توصيلة مجانية باحدي السيارات الثلاث

العنصريه



كقاهري عتيد لم تكن لي تجربة شخصية مع مفهوم العنصرية ، فقط ما سمعناه في نشرات الأخبار عن نظام التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا ، وما يعانيه المهاجرين في أوروبا علي أيدي الجماعات اليمينية المتطرفة

ومعني هذا أن العنصرية بالنسبة لي كانت سلوك شائن يقوم به البيض ضد غيرهم من الملونين والسود بسبب لون البشرة ، وهي بهذا تختلف عن القومية التي تعتمد علي الانتماء و العرقية .
لكن عندما جئت إلي هذه الديار فوجئت بمعني جديد للعنصرية لم أدري عنه شيئاً  ، فكما يكون البيض عنصريين ضد غيرهم ، من الممكن أن يكون السود أيضا عنصريين ضد غيرهم
كان هذا غير مفهوم لدي ، فالبيض كانوا أو لا يزال بعضهم عنصريون بسبب إحساسهم بالتفوق ، فكيف يكون السود عنصريون ؟

هذا سؤال يحتاج لدراسات مطولة لشرحه وتحقيق إجابته الشافية ، لكن تجاربي اليومية كشفت لي عن أبعاد متعددة لها ، الأول تاريخي يعود إلي مرحلة الاستعمار الذي سام أهل البلاد سوء العذاب لعقود ، واغتصب خيرات بلادهم ولم يتركها إلا خراباً بل وربطها به حتي بعد الاستقلال ، لتصبح تحت التبعية والوصاية ، وهو ما أورث هولاء السكان كراهية شديدة لكل ما يمثل الاستعمار ، وعلي رأسه اللون ، أي لون يخالف البشرة الداكنة لأهل البلاد  ، تبسيط مخل لكنه ملائم لأصحاب العقول البسيطة ، او ما يسمي في علم السياسة بالغوغاء او الديماجوجية الحاشدة ، تماما كما فعلها العبقري جورج أورويل في رواية مزرعة الحيوان عندما صاغت الخنازير المفكرة شعاراً بسيطاً حتي تحفظه الخراف التي تمثل الشعب " الخير في الاقدام الاربعة والسوء في القدمين " ! أي كل من يمشي علي قدمين هو عدو ، وكل من يمشي علي أربعة صديق . وبالقياس يصبح كل زنجي صديق ، وما غيره عدو .
ومن الملاحظات الأولية كانت طريقة المصافحة لدي عدد كبير من المحليين ، فحينما تمد يدك ، من الممكن أن يكتفي بأن يمسك يديه ويهزهما كانه يصافحك ، او يشير كالصينيين ، والأغرب حينما يمد يمناه فيما تمسك يسراه بمرفقه الايمن ، وحينما سالت عن سبب هذا عرفت ان الاحتلال اجبرهم علي ذلك حتي يري اليدين بحيث لا يصافح بيد ويخفي سلاح في اليد الأخري
ومن افعال الاستعمار انه منع علي أي من السكان ان يتجول في الطرقات بعد حلول الظلام بدعوي ان الجنود لن يروهم في الظلام لبشرتهم الداكنه ، واعطي الحق للجنود في قتل أي من يخالف هذا باعتباره يخطط لقتل جنود الاحتلال .

الحمد لله



كقاهري حتي النخاع ، اعتدت ان ابدا حواري مع أي شخص بالسؤال التقليدي " كيف الحال ؟ " ، ، وفي مدينتي السعيدة يكون الجواب " الحمد لله" ، ومن ثم يستطرد من يرد قائلاً : كله تمام ، زي الفل ، مفيش احسن من كده ، ... ، وحتي عندما لا يكون الأحوال جيدة ، يكون الرد الحمد لله علي كل حال ، او الحمد لله الذي لا يحمد علي مكروه سواه ، ومن غير المعتاد أ، يحكي شخص لشخص أخر عن مشاكله ان لم تكن العلاقة بينهما وطيدة لدرجة كافية ، فلا أتصور مثلاً أن أذهب لمطعمي المفضل واحيي النادل واسأله عن أحواله فيخبرني عن خلافاته مع صاحب المطعم !!

وكقاهري ساذج خلت أن هذا هو الوضع الطبيعي ، لكن عندما جئت إلي هذه الديار وجدت أن هناك جانب أخر للعملة : فمن أكثر الأماكن التي اعتدتها في أوائل أيامي كان المصرف ، والموظفة الخاصة بخزانة العملاء المهمين، ففي ثاني مره ذهبت لسحب بعض النقود وغلب علي الطبع القاهري فقلت " كيف الحال ؟ " فاذا بها تقول ليس جيداً لدي صداع !
وحينما سئلت حارس البناية أجابني " سئ ... ليس معي مال "
وحينما سألت السباك أجاب " ادينا عايشين ! "
أثار هذ استغرابي الشديد ، فعلاقتي بهولاء سطحية ، وكان من المفترض ان يردوا بكلمة " بخير " وكفي  ، فلماذا حدث هذا ؟
لم ينمحي هذا الأمر من ذهني ، بل ظلت خبراته تتراكم ، فهذا دبلوماسي بوزارة الخارجية يرد باجابة السباك ، وهذه مديرة شركة سياحة تجيب نفس اجابة حارس البناية !
وعندما زاد بي التعجب ، بدأت اسئل واعرف تبريرات ، سألت سكرتيرة السفير وهي من قبائل البامليكي الوثنية المعروفة بالغني الشديد ، فاجابت بان غالبية الناس تعاني من نقص الأموال ، وان الفقر هو هاجسهم الاساسي ، والحصول علي المال هو هدفهم من الحياة ، ويتساوي في هذا الحارس والسباك والمصرفي والدبلوماسي .
وعندما سألت إمام المسجد الكاميروني أجاب بأن غير المسلمين في غالبيتهم لا دينيين وان أعلن بعضهم انتمائه للمسيحية ، فهم وثنيون أو يعبدون أرواح الأجداد ، ومن ثم ففكرة اليوم الآخر والحساب والجزاء هي المسيطرة عليهم ، فبالتالي أصبحت الدنيا هي همهم ومبلغ علمهم  ، ولذا الصراع من أجل الحياة اليومية أصبح هو محور حياتهم ، فأي ابتلاء أو مصيبة تجعل الحياة لا تطاق ، وتجعل رداً مثل " بخير " غير ممكن أو بعيد عن نطاق التفكير ، أما جملة " الحمد لله " فلا تعرف لها سمياً لدي غير المسلمين ، فالحمد لله الذي اصطفانا وهدانا وجعلنا مسلمين .