Tuesday, December 24, 2013

فراعنة وأسود

من قال أني أحب كرة القدم ؟؟
       لو كنت أعلم أن هذه هي النتيجة لقررت التخلي عن حبي للساحرة المستديرة منذ سنوات وسنوات ...
ولنحكي الحكاية من البداية ، ففي إطار تصفيات كأس العالم وضعت القرعة فريقنا الوطني ضد فريق أسود الكاميرون في مجموعة واحدة، وباعتباري من هواة كرة القدم كنت في قمة السعادة بسبب هذه القرعة انتظاراً لاستضافة الفريق الوطني في مقر عملي، ومع أن التصفيات بدأت في مطلع العام إلا أن المباراة المرتقبة جاء ترتيبها كأخر مباريات التصفيات ، وهو ما جعلها ذات أهمية خاصة حيث يمكن أن تكون مباراة الاحتفال بوصول أي من الفريقين إلي نهائيات كأس العالم .
وخلال التصفيات أعاد الفريق المصري مسلسل الإخفاق المعتاد وتلقي ثلاث هزائم جعلته يبتعد عن طريق الوصول لكأس العالم، فيما انحصر الصراع بين الكاميرون وساحل العاج التي كانت تتقدم علي الكاميرون قبل مباراتين من ختام التصفيات، لكن الأسود الكاميرونية تفوقت علي نفسها وهزمت الأفيال العاجية في عقر دارها ، مما وضعها علي رأس المجموعة قبل مباراتها مع مصر ، ومن ثم أصبح الفوز في هذه المباراة يأخذ الأسود مباشرة إلي كأس العالم دون النظر إلي نتيجة مباراة الأفيال خارج ملعبها مع السودان ،  فيما يؤدي تعادل الأسود أو هزيمتها إلي ابتعادهم عن كأس العالم لأول مرة منذ عام 1990 .
ولكون الشعب الكاميروني غارق حتي النخاع في عشق كرة القدم ، فقد أصبحت مباراة مصر يوم السبت 8 أكتوبر بمثابة حدث تاريخي تدور حوله الحياة ، ويتحدث عنه الجميع بداية من رئيس الجمهورية حتي بائعو الموز في الطرقات .
وكعادة الشعب الكاميروني في الثقة المفرطة كان الجميع في منتهي التأكد من أنهم سيحصلون علي عطلة يوم الاثنين 10أكتوبر احتفالاً بتأهل الأسود لكأس العالم كما جرت العادة لديهم . لم يكن هناك عاقل واحد يفكر في امكانية حدوث العكس ، الكل متأكد وذلك علي الرغم من الخوف المرضي الذي يعاني منه الفريق الكاميروني من الفريق المصري باعتبار مصر ذات اليد العليا في مباريات الفريقين ، وان غالبية المباريات الحاسمة انتهت لصالح مصر ، وان الهزيمة الوحيدة التي تلقاها الفريق الكاميروني في هذه التصفيات كانت علي يد مصر ، لكن نشوة الفوز علي ساحل العاج في ملعبها أنستهم الحذر.
 في السفارة كان العمل قد بدأ مبكراً، فخلال كافة لقاءات السفير مع المسئولين الكاميرونيين كانت المباراة تطرح نفسها كموضوع هام، فمنذ تقديم صورة أوراق الاعتماد لوزير الخارجية، وحتي مقابلة رئيس البرلمان مروراً برهط من الوزراء كان لقاء الأسود مع الفراعنة محطة لا فكاك منها، وعقب كل مقابلة كانت الصحافة المرئية والمسموعة والمقروءة تكرر نفس السؤال، كم تتوقع نتيجة المباراة ؟ هل تعتقد أن مصر يجب أن تترك الكاميرون تربح خاصة أنكم لن تستفيدوا شيئاً من الفوز ؟ وبطبيعة الحال كان لا بد من رد دبلوماسي لمثل هذه الأسئلة يدور حول من يلعب أفضل يكسب وما إلي هذا من سخف وهراء، فكلنا كان يريد أن تفوز مصر أو علي الأقل تتسبب في الإطاحة بالكاميرون من التصفيات، ربما بسبب التعالي المفرط الذي نحسه في تعاملاتنا معهم، أو ربما بسبب وطنيتنا التي تتضاعف خارج مصر لحد لا يصدق، والمهم اننا جميعا كنا نرغب في تحقيق نتيجة ايجابية علي الرغم من انها لا تجدي نفعاً.
بدأت الترتيبات بوصول فاكس من الاتحاد المصري للكرة يفيد بموعد الوصول وتشكيل الوفد، وكانت المفاجأة الأولي أن الفريق لن يصل مباشرة إلي العاصمة، بل سيصل إلي دوالا علي رحلة الخطوط الفرنسية  
وحتي يبطل العجب أقول أن هناك أسباب ثلاثة هي:
1.    أن المباراة ستجري في ياوندي وليس دوالا، وهناك رحلات لخطوط عديدة تصل إلي ياوندي
2.    أن الرحلات الداخلية بين ياوندي ودوالا لا يمكن الاعتماد عليها مطلقاً ويمكن الا تقوم الرحلة لمدة يومين
3.    أن الطريق البري بين ياوندي ودوالا يحتاج أربع ساعات علي الأقل ويفضل أن يكون ذلك في ساعات النهار
4.    أن تكلفة السفر علي الخطوط الفرنسية تفوق تكلفة السفر علي أي خطوط أخري بمعدل مرة ونصف ( هم أربعة أسباب ...)
ونظراً للأهمية غير المسبوقة للمباراة كان اهتمام الاتحاد الكاميروني للكرة بالفريق المصري مبالغاً فيه حتي أنهم تدخلوا بقوة لدي شركة الطيران لضمان قيام الرحلة الداخلية في موعدها ، وقاموا بترتيب إقامة الفريق في أحدث فندق بالعاصمة الذي يبعد خطوات من السفارة الأمريكية لضمان تواجد أمني مكثف لوضع حد لأية مضايقات قد يتعرض لها الفريق من المشجعين وهو ما كان وارداً جدا بسبب الأخبار التي ترددت عن قيام رئيس الاتحاد المصري بلقاء وفد من ساحل العاج يحمل عرضاً مغرياً للمنتخب المصري في حال نجاحه في إيقاف مسيرة الأسود ، وهو ما تلقفته وسائل الإعلام الكاميرونية وضخمته إلي حد غير متوقع حتي أن المواطن الكاميروني كان يتحدث عن اللقاء كأنه حضره وأن المصريين وافقوا علي دعم العاجيين مقابل قيام العاجيين بإقامة معسكر تدريبي في القاهرة بتكلفة تفوق التكلفة العادية
يوم المباراة كان يوماً عجيباً للغاية فقد استيقظنا علي أمطار كاسحة ، أمطار غزيرة كالسيول تغرق العاصمة ياوندي بقوة غير متوقعة ، ومن الطبيعي أن تهطل الأمطار في هذه الفترة لكن المميز أن المطر امتد بعنف لثلاث ساعات بدون توقف ، وبعدها كانت أمطار خفيفة تهطل بين الفينة والأخرى ولم تتوقف إلا قبل المباراة بساعتين ، وطبعا تحول الملعب إلي بركة فشلت معها كافة المحاولات اليدوية لنزح المياه ، إضافة إلي سوء حالة الملعب في الأساس ، وهو ما لقي ارتياحاً من جانب الفريق المصري نظراً لأن سوء حالة الملعب لن تسمح للفريق الكاميروني باستخدام ابرز مهاراته من سلسلة التمريرات الأرضية والمهارات الفردية للاعبين المشاهير وعلي رأسهم صمويل ايتو الابن نجم برشلونة ،وهداف الدوري الاسباني وزميل رونالدينيو البرازيلي.
توليت مهمة توزيع التذاكر القليلة التي حصلنا عليها من الاتحاد الكاميروني علي الجالية المصرية ، وكانت مشكلة جديدة بسبب الطبيعة المصرية ، كان هناك نوعان من التذاكر ، واحدة للمقصورة الرئيسية وعددها محدود ، والثانية للدرجة الأولي وعددها أكبر . كانت الجالية تتكون من 15 مبعوثاً للأزهر تم جمعهم من البلدان القريبة ومنهم رئيس البعثة وسكرتيرها ، بالإضافة إلي أربعة من الخبراء المصريين العاملين في الكاميرون ، وثلاثة من المصريين العاملين بالتجارة ، يضاف إليهم ثلاثتنا العاملين في السفارة بغض النظر عن السفير . وفي قاعة الفندق حيث وقفت أوزع التذاكر اعترض رئيس بعثة الأزهر علي منحه تذكرة درجة أولي مع المبعوثين وهاج وماج ، وبأعصاب شبه محترقة استخدمت العبارة الأمريكية الشهيرة " خذها أو اتركها" – متذكراً خالدة الذكر مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية وهي تقولها في أعقاب كل تهديد للفلسطينيين وايران والعراق وباقي الأوغاد المعتادين – وطبعا كما هو متوقع فإن هذه العبارة " سرها باتع"  ، رضخ ووضع لسانه في فمه. تلي ذلك ظهور مفاجئ للمهيب العميد الركن – راجع الفقرة الخاصة به إن كانت سبقت أو ابحث عنها فيما سيلي – وطبعا كان لزجاً كذبابة الفاكهة لحوحاً كمتسول في إشارة مرور ، وفي هذه المرة كان أيضا محظوظاً كمن سقطت عليه تفاحة ، فقد انتهت التذاكر الخاصة بالدرجة الأولي و لم يتبق سوي تذاكر المقصورة ، وبعد ما فعله رئيس البعثة لم أكن لأمنحه تذكرة المقصورة وادفع بالعميد إلي صفوف مبعوثي الأزهر ، ونظراً لوجود احتمالات وقوع اشتباكات وامكانية الاستفادة من خلفية العميد العسكرية حتي لو كانت مشكوكاً فيها ، قررت منحه التذكرة الأخيرة .
 في الطريق للملعب كنت استمع للإذاعة الحكومية الكاميرونية التي كانت قد بدأت منذ الصباح ارسالاً خاصاً بالمباراة ، وقام مراسلها المكلف بمتابعة الفريق المصري بعرض تقرير بالغ الطرافة ، فقد ذكر أن الفريق المصري لم يكتفي بالتدريبات فقط لمواجهة الأسود ، بل نظراً لخوفه من سحر السحرة يقوم يومياً بأداء صلوات خاصة في المساء في قاعة بالطابق الذي يقيم به ، وليلة المباراة توجه الفريق لمنزل السفير المصري حيث أقام صلاة خاصة إضافية وهو ما يعكس حالة الرعب التي يعاني منها الفريق  المصري من القوة الخارقة للفريق الكاميروني الذي لا يقهر ، وأضاف أن المصريين سبق لهم وأن أدوا نفس الصلاة في مطار دوالا فور وصولهم وهو ما يهدف بطبيعة الحال لمواجهة أي محاولات لإيذاء الفريق من الأرواح الشريرة .
لا أدري أأبكي أم أضحك من هذا الهراء ، خاصة أن المسلمين يشكلون 40% من سكان الكاميرون ، فلابد أن يكون هناك دراية بقدر ما بالشعائر الإسلامية ، فهذا التقرير يمكن تفسيره كما يلي : حينما وصل الفريق كانت الساعة تعدت الرابعة عصراً فصلي اللاعبون صلاتي الظهر والعصر جمع تأخير ، وعندما وصلوا إلي ياوندي اجتمعوا لصلاة القيام لكوننا في شهر رمضان وواظبوا عليها طوال تواجدهم وحتي بعد انتهاء المباراة وذهابنا للمطار أدوا الصلاة هناك في انتظار الإقلاع ، أما زيارتهم للسفير فقد دعاهم للإفطار في منزله ، واللطيف هنا أن مصادر المراسل الكاميروني خدعته حيث لم يصلي اللاعبون هناك وفضلوا الانتظار حتي العودة للفندق لصلاة المغرب والعشاء والقيام ، فيما أدي صلاة المغرب العاملين بالسفارة وباقي المدعوين . 
§       تحركنا من الفندق في وسط المدينة ضمن موكب تتقدمه سيارة شرطة ودراجة نارية لفتح الطريق ثم سيارة رئيس البعثة المصرية التي صحب فيها رجال الصحافة كعادته في كل تحركاته ، ثم سيارة الفريق ، وحافلتين صغيرتين احضرتهما السفارة لنقل المشجعين المصريين ، ثم سيارة ضمتني مع الملحق الإداري. حينما اقتربنا من الملعب كان زئير الجماهير يصم الآذان ، فحول كافة مداخل ملعب أومني سبور كانت هناك طوابير تمتد لمئات الأمتار من المشجعين الذين ارتدوا جميعهم تقريباً القميص الأخضر الذي تم توزيعه مع التذاكر والمكتوب عليه كلنا مع الأسود. وكالعادة الأفريقية كان هناك العشرات من السحرة سواء الحقيقيين أو المدعين الذين صبغوا أجسادهم بألوان الفريق وارتدوا جلود النمو وأمسكوا العظام والجماجم وهم يرقصون رقصاً هستيرياً بالنسبة لي فنياً بالنسبة لهم ، كلما اقتربنا كانت الأصوات ترتفع ، لكن الحماية المكثفة التي وفرتها الشرطة جعلت دخولنا للملعب ميسوراً ، ولكن كان لا بد من بعض المتاعب المصرية المعتادة ، ففور مغادرة اللاعبين لسيارتهم وتوجههم إلي غرف تغيير الملابس إذا بالمشجعين المصريين وعلي رأسهم مساعد الملحق الإداري يتبعون الفريق إلي غرفهم ، وكان من غير المجدي أن أصرخ فيهم فبالكاد أسمع نفسي ، مما اضطرني للركض ورائهم وجذبهم والإشارة إلي مدخل المقصورة الرئيسية ، لكن للأسف افلت بعضهم فأرسلت بعض رجال الشرطة لإحضارهم من الداخل . وبعد تجميع الفاريين توجهت مع بعثة الأزهر لإيصالهم ، ثم اصطحبت باقي الجالية الي المقصورة الرئيسية ، ولما دخلنا أخبرني احد المنظمين انه لا توجد أرقام للمقاعد وانه يمكن منحنا مقاعد بعددنا في المقاعد الأمامية ، وعندما تقدمت كان احد الأطباء ولندعه "د.مندفع" يدفعني ويتقافز كي يحصل علي مقعد في أول صف ! ومن الحظ العاثر أنه انتقي المقعد المجاور للسفير الأمريكي وزوجته ، وبالطبع حييت السفير وزوجته وابنتيه وعدد من أعضاء السفارة الذين ارتدوا جميعا القمصان الخضراء المؤيدة للكاميرون ، وحاولت أن اقنع د. مندفع أن يبادلني مقعده رفض وبشدة بل اخذ يلوح بالعلم الكبير في يده ليرتطم بوجه ثلاثة يجلسون إلي جواره بشكل منتظم ، وحينما طلب منه طبيب أخر أن يجلس حتي يستطيع الباقين الرؤية رفض واخذ يزيد من وتيرة التقافز والصياح بداعي الوطنية ، وخلال فترة ما قبل المباراة كان د. مندفع قد تشاجر مع كافة أفراد الجالية المصرية وعدد من الأمريكية والكاميرونية ، ومن ثم اتفق الجميع علي عدم الرد عليه خلال المباراة فبقي يحادث نفسه ويتشاجر مع ذاته  . ومن موقعي لاحظت أن الأعلام التي منحناها لمبعوثي الأزهر غير مرفوعة ، وطبعا توقعت أنها تعليمات رئيس البعثة المستاء ، فأرسلت اليهم من يخبرهم بأن يخرجوا الاعلام أو يعيدوها لنا فوراً ، وجاءت الرسالة بنتيجة فورية ، وكانت الأعلام التي رفعها الأزهريون هي فقط ما ظهر خلال النقل التلفزيوني للمباراة والذي تجاهل مشجعي مصر بشكل كامل.
§       قبل المباراة كانت الإذاعة الداخلية تعيد لمئات المرات الأغنية الخاصة بالأسود التي يغنيها المطرب ولاعب التنس السابق يانيك نواه الفرنسي من أصل كاميروني ، والذي يعد مساعداً نفسياً للفريق أو طبيب ساحر لكن بشكل عصري ، وقد أعزي إليه الكثيرون فوز الكاميرون علي ساحل العاج في عقر دارها  وإن كان ذلك مبالغاً فيه للغاية ، فالرجل اكتفي بالتصوير مع لاعبي الفريق بعد المباراة في غرفة الملابس . لكن في هذه المره حضر نواه مبكراً وشارك في التدريبات واقام داخل معسكر الفريق وكان يبذل جهداً واضحاً لفصل اللاعبين عن الضغوط العصبية المتزايدة التي بلغت حدها باستعداد الجمهور للاحتفال والسهر بعد التأهل لكون الاثنين سيكون اجازة عامة احتفالاً بالوصول لكأس العالم  للمرة الخامسة علي التوالي ، وهو ما ألمح إليه رئيس الجمهورية في رسالة وجهها للفريق وعدهم فيها بمكافأت ضخمة بعد الفوز. 
§       قبل أن تبدأ المباراة كان كبير السحرة يصحب فريقه من السحرة لأداء طقوس خاصة في أرض الملعب يعتبرها الجمهور الكاميروني جلبا للحظ السعيد للفريق ، خاصة أنه يحدد للفريق الكاميروني نصف الملعب الذي يختاره في النصف الأول حيث يدعي تجنيد الأرواح لحماية مرماهم وفتح مرمي خصومهم امامهم ، ولا يستطيع قائد المنتخب الكاميروني عصيان تعليماته.
§       عندما بدأت المباراة لم يظهر أي من الفريقين بمستواه المعروف نظراً لسوء حالة الملعب البالغ ، اضافة إلي التوتر والضغط العصبي الشديد الواضح علي كافة لاعبي الكاميرون حتي المشهورين منهم والذين سبق لهم المشاركة في كأس العالم مرات عديدة بل والفوز بدورة الألعاب الأوليمبية أيضا ، كان واضحاً أن النجم الأول صمويل ايتو غير موجود علي الاطلاق في الملعب ، وعندما جاء الهدف الأول من الكاميرون سجله لاعب مغمور يلعب مباراته الثالثة دولياً فقط ، لكن هل قلت هدف؟ نعم ففي الدقيقة الخامسة عشر سجل رودلف دوالا هدفاً للكاميرون ارتج الملعب علي أثره ، وفي أعقاب الهدف بدا كأن الفريق الكاميروني قد انهي مهمته واكتفي باللعب في وسط ملعبه ولم يكن له وجود مذكور ، في الشوط  الثاني تشجع الفريق المصري وهاجم عدة مرات حتي نجح قبل النهاية بعشر دقائق في تسجيل هدف التعادل . لو القيت ابرة علي ارض الملعب لرددت جنباته صداها !! توقفت كل الأصوات ، انحبست الأنفاس في الصدور ، دوت أصوات حفنة المصريين لترج الملعب وسط ذهول الكاميرونيين . ظل الفريق الكاميروني تحت الصدمة رغم محاولات الحكم المستميتة لمساعدتهم ، لدرجة انه اضاف 5 دقائق كوقت بدل للضائع رغم ان الوقت الضائع لم يتجاوز الدقيقة ، وعندما فشل الفريق الكاميروني في استغلاله كان الفريق المصري يشن هجمات مرتدة بالغة الخطورة ،الا أن الحكم المالي قرر فجاة منح ضربة جزاء سخية للغاية للكاميرون ، أكدت الاعادات التلفزيونية عدم وجود أي مبرر لها .
§       هنا عادت الحياة للملعب وتنفست البلاد الصعداء ، أما علي أرض الملعب فقد امتنع أي من لاعبي الكاميرون عن التقدم لأخذ الكرة ، علي الرغم من وجود ترتيب لآخذي ضربات الجزاء ، وهو ما دفع بيير وومي المدافع المحترف في روما الايطالي لاخذ الكرة رغم أنه يحتل الرقم 5 علي القائمة ، مستنداً إلي أن الكاميرون لن تنسي له أنه احرز ضربة الجزاء الأخيرة التي منحتهم الفوز بدورةا لألعاب الأوليمبية عام 2000 . في نفس الوقت كان قائد الفريق الكاميروني يتوجه إلي قائد المنتخب المصري الذي يعرفه بشكل شخصي حيث يلعبان سويا وقال له " ارجوك اطلب من حارسكم أن يترك الكره تدخل ، لو ضاعت لقتلنا جميعا هنا" ، في نفس الوقت كان صمويل ايتو يتوجه للحارس المصري  ويطلب منه ان يترك الكره تدخل المرمي . والغريب أن الفريق المصري تعاطف للغاية مع لاعبي الكاميرون حتي أن الحارس تقريبا ارتمي في مكانه فاتحاً المرمي أمام اللاعب الكاميروني إلا أن ذلك الأخير سدد الكرة بقوة لتصطدم بالعارضة وتخرج خارج الملعب.هنا كانت أصوات المصريين تعود لتزلزل الملعب الذي ساده هدوء المقابر ، في اللحظة التالية تقدم الهجوم المصري بالكرة وسط لاعبي الكاميرون فاقدي الاحساس ، وقبل أن يسدد المهاجم الكرة داخل الشباك اطلق الحكم المالي صافرته الغادرة ليحرم الفريق المصري من فوز مستحق.   
§       كانت ضربة الجزاء الضائعة هي القشة التي قسمت ظهر البعير فقد انقلبت الجماهير علي فريقها وأخذت تصفق للاعبي الفريق المصري ، وطوال الطريق من الملعب حتي المطار كانت الجماهير المصطفة تحيي الفريق المصري وتهتف ضد فريقها ، بل أن بعضهم حمل صور لنجم ساحل العاج ديدييه دروجبا الذي قاد فريقه لكأس العالم لأول مرة في تاريخه .
§       لم يعكر هذا التقدير سوي قيام مجهول بقذف حجر علي الزجاج الأمامي لسيارة السفير المصري الذي غادر الملعب فور احتساب ضربة الجزاء ودون حراسة. 
§       في  اليوم التالي جاءني من يريد بيع قرص مدمج (سي دي ) للمباراة ، طبعا بعد أن فقد السوق المنتظرة بضياع الانتصار وتحول مباراة العبور الكبير لكأس العالم كما سمتها الصحف إلي مباراة النكسة ، قرر البائع أن يبحث عن زبائن جديدة ولم يجد سوانا ، وكالعادة طلب مبلغ خرافي يصل إلي 100 دولار نظير القرص ، ورغم أنه لم يكن في نيتي شراء القرص الا اني طلبت أن أتأكد من جودته ، وكما توقعت كان التسجيل سيئاً للغاية لا يمكن مشاهدته بأي حال من الأحوال ، فأعدته لصاحبه وانا أبدي تأسفي واستيائي وخيبة أملي لفقد فرصة ثمينة كي ابتاع قرصاً عليه مباراة حضرتها بالملعب مقابل مائة دولار ، وهو تقريبا مرتبي في القاهرة قبل السفر إلي خلف خطوط العدو .

§       حصلت من المدير الإداري للفريق علي احد القمصان الخاصة بالفريق التي خاض بها المباراة ذاتها ، وفي أول مرة ارتديته خلال جولة تسوق تلقيت أكبر مجموعة ملاحظات وتعليقات من المارة والمتسوقين ، وعلي الرغم من الغرور الكاميروني التقليدي الا أن التعليقات هذه المرة كانت منكسرة وحزينة ، فكان غالبية من يلاحظوا القميص يقولون " ولماذا هذا ، الم تهزمونا وكفي " أو يشيرون لبعضهم : " انظر هذا هو القميص الذي ذبحونا به" ، وبعد مرور شهور علي هذه المباراة وكلما ارتديته غالبا ما سمعت من يعلق عليه ويتذكر ذلك اليوم المأساوي للشعب الكاميروني ، اليوم الذي روضت فيه مصر الأسود التي لا تقهر.  

No comments:

Post a Comment